كان ذلك منذ زمن بعيد.. كان الأمير نايف بن عبدالعزيز حينها نائباً لوزير الداخلية ، يمارس مهامه ، ويتحمل مسؤولياته ، ويعطي وقته ، وصحته ، وشبابه لأمن الوطن ، والمواطن ، ويصنع تاريخاً في مضامين أخلاقيات الوظيفة ، كمسؤولية ، وممارسة ، وأمانة تجاه التاريخ ، والجغرافيا ، والإرث الحضاري والنضالي الذي كانت بدايات صناعته في اللحظات الأولى عندما اتجه عبدالعزيز - طيب الله ثراه - إلى الأرض المتيم بعشقها تاركاً الكويت ، ليستعيد ملكاً ، وأمجاداً ، ويؤسس دولة ، وينشىء كياناً. كان ذلك منذ زمن بعيد ، لايزال محفوراً في الذاكرة ، أحتفظ به كوعي مسؤول ، وممارسة تفوق ، ومؤشر حكمة ، وأسلوب حوار نفتقده كثيراً في فضاء الثقافة الوظيفية عند بعض المسؤولين ، وأحمله في داخلي تقديراً ، وتميزاً لرجل حكم مثقف ، وحكيم ، ولديه مخزون هائل من الحب للناس ينبع من تربية ذاتية ، وتصالح مع الذات ، وحسن ظن بالآخرين في كل ممارساتهم ، وأقوالهم ، وأفعالهم ، فلا تحمّل الكلمة فوق ما تحتمل ، أو تفسر في غير سياقاتها ، ومضامين ظرفها الزمكاني. حدث وقتها سوء فهم - ربما من جانبي - لموضوع أثناء ممارستي لعملي الصحافي ، تطوّر حتى وصل إلى سموه ، فحُدد لي موعد لمقابلته في مكتبه بوزارة الداخلية ، فشخصت إليه في الساعة العاشرة من ذات مساء أعتبره مساءً مبهجاً ، ومفرحاً ، وثرياً بالحوار ، والفهم ، والغوص في داخل تلك المعرفة ، والوعي ، والحكمة ، التي تسكن داخله النقي ، وبعد أن منحني حالة من التقارب ، وإذابة حواجز الحوار ، وترسيخ الإلفة ، كان تصحيح المفاهيم ، ووضعها في إطارها السليم ، وحجمها الحقيقي ، ثم ختم سموه حديثه الثري ، والمبهج بقوله ، وهذا ما يعنيني الآن. - سياستي أنني أحسن الظن كثيراً ، ولو كان لدينا معلومات مؤكدة لا تقبل الجدل ، أو المناقشة بوجود الخطأ ، بنسبة 99 % ، غير أن لدينا شكاً في عدم صحتها بنسبة 1 % ، لغلّبنا نسبة ال 1 % على ال 99 % ، وتجاوزنا عن الخطأ ، واعتبرنا صاحبه بريئاً. منذ ذلك المساء الجميل ، والمبهر ، والاستثنائي الذي كان في مكتب سمو الأمير نايف بوزارة الداخلية على شارع المطار القديم ، تعلمت درساً رائعاً في التعامل ، وعرفت أن نايف بن عبدالعزيز يعطي نموذجاً مختلفاً ، ويصنع مفهوماً متميزاً لمعنى ، وممارسة مسؤول كبير لجميع المسؤولين في وزارات الداخلية في الوطن العربي الذين عرفنا عنهم البطش ، وتصديق التقارير ، وسوء الظن بالناس بكافة أطيافهم ، وشرائحهم ، وخرجت منه وعندي جزالة انبهار بالعقل الذي به يتعامل مع أمن الوطن، والمواطن. أتذكر ما حدث ذات مساء مع الأمير نايف ، وأبتهج بمسيرته العملية كعقل ، ووعي ، والوطن كله يحتفل بوجوده الآن في قمة الهرم السياسي كولي للعهد ونائب لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية يصنع تاريخاً ، ويقود مسيرة نماء ، وتحديث ، ويعمل على تحصين الوطن وتسييجه من كل مؤامرات الإرهاب ، والجريمة المنظمة ، ويحمله ألقاً ، وتفوقاً ، وجمالاً ، وأمناً في قلبه الكبير.