إن مشاعر الحزن والألم على رحيل صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام – رحمه الله وأسكنه فسيح جناته – لا تقوى الكلمات على التعبير عنها.. فالراحل الكبير احتل في قلوب الشعب السعودي مكانة أثيرة عالية.. وكان يرحمه الله إنساناً عهده أبناء وطنه وذووه ومحبوه قامة شامخة بالمناقب العالية واستحق عن جدارة أن يلقب ب "سلطان الخير" بمواقفه الإنسانية النبيلة والخيرة التي لا تحصى وطالت بالنجدة والغوث نفوساً لا تعد في ظروف وأماكن عديدة داخل الوطن وخارجه. ولقد تجاوز ما بينه – رحمه الله – وبين أبناء شعبه مراسيم القيادة والأعراف الرسمية حيث كانت أبوابه وعلى الدوام مشرعة لأبنائه المواطنين على مدى ستة عقود من التواصل الحميم في كل ركن من أركان الوطن .. أما علاقته مع الوطن في مسيرة البناء والتنمية فهي جهود طويلة أثيرة لا يتسع المقام إلا لذكر لمحات مما قام به – طيب الله ثراه - في خدمة هذه البلاد وتقدمها والدفع بمستقبلها إلى ما هو أكثر إشراقاً وازدهاراً .. فقد كان صاحب العزم الأكيد ورجل الدولة والسياسة وأحد أبرز رجالاتها الذين أسهموا في بنائها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً .. ولقد كان للتنشئة الدينية التي نشأ عليها الأمير سلطان بن عبدالعزيز في كنف والده الملك عبدالعزيز – رحمه الله – أثرها الكبير في أخلاقه وتصرفاته العامة وعلاقته بالناس وإدارته وتسييره لأمور الوظائف العديدة التي أسندت إليه .. ومن المعروف أنه - رحمه الله - تحمل المسئولية في بناء الدولة الحديثة لبلاده في وقت مبكر حيث عينه القائد المؤسس أميراً على الرياض وساهم بشكل فاعل في إقامة نظام إدارة متين. وعند تشكيل أول مجلس وزراء في المملكة، كان أول وزير للزراعة ثم وزيراً للمواصلات. وفي عام 1382ه (1962م)، عين سموه وزيراً للدفاع والطيران، وبإدارته شهدت القوات المسلحة السعودية بكامل فروعها تطورات في غاية الأهمية، وانتقلت في عهده إلى مصاف الجيوش المتقدمة من حيث الإمكانات البشرية والعدة والعتاد. ثم تبوأ منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ثم ولياً للعهد متابعاً ومشرفاً على تنفيذ توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائد مسيرتنا وراعي نهضتنا في كل مسارات التنمية، التي يوليها – حفظه الله – جل عنايته ورعايته. وكان – طيب الله ثراه – خير عون في كل ما أسند إليه من مسؤوليات ومهام جليلة على طريق التنمية والتطور.. وكان – رحمه الله – شديد الحرص على إكساب التجربة التنموية السعودية أبعاداً حضارية تؤهلها لأن تكون نوعية في بنيتها الأساسية وفي قطاعات الخدمات والإنتاج، وقد شارك وتابع بدقة جهود التخطيط والتنفيذ لمسيرة التنمية في المملكة منذ خطة التنمية الأولى وحتى إصدار خطة التنمية التاسعة .. ورأس سموه العديد من اللجان العليا المعنية بوضع مرتكزات التنمية وأبرز برامجها ومشاريعها في مختلف القطاعات. وكان حريصاً على تعميق التنمية الاجتماعية في أبعادها الإنسانية. وإلى جانب ذلك أشرف سموه على تطوير الطيران المدني حيث ترأس مجلس إدارة الخطوط الجوية العربية السعودية وأولاها جل اهتمامه. كما ترأس ولفترة طويلة اجتماعات اللجنة العليا لسياسة التعليم، واللجنة الوزارية للتنظيم الإداري ومجلس القوى العاملة، والهيئة العليا للدعوة الإسلامية، والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وإنمائها، واللجنة الوزارية للبيئة، واللجنة السعودية – اليمنية المشتركة المشرفة على المشاريع التي تنفيذها المملكة في اليمن. وفي مجال الخدمات الإنسانية، أسس سموه "مؤسسة سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الخيرية" لتقديم الخدمات الإنسانية والاجتماعية والثقافية. وعلى صعيد تعزيز علاقات المملكة مع الدول الشقيقة والصديقة، ساهم سموه بجهد كبير في إرساء عرى الأخوة والمحبة بين المملكة ودول العالم حيث شارك في العديد من المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية والدولية وقام بالعديد من الزيارات لمختلف دول العالم لتعزيز أواصر التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والثقافي معها، ولتأكيد مواقف المملكة تجاه نصرة قضايا الحق والعدل والسلام في العالم، ومد يد العون والإغاثة للعديد من البلدان الشقيقة والصديقة التي تعرضت لكوارث وظروف طارئة. وفي الختام لا يسعني إلا القول بأننا إذا كنا جميعاً يلفنا ألم الفراق ووحشة الغياب، إلا أن إيماننا بقضاء الله وقدره يمنحنا الانصياع والرضا بما قدره سبحانه وتعالى لعباده، سائلينه جل وعلا أن يتغمد سموه بغامر رحمته ويسكنه فسيح جناته، ويلهم الأسرة المالكة وشعب المملكة الصبر والسلوان.. وإني إذ أرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائد مسيرتنا وراعي نهضتنا – حفظه الله – أحر التعازي برحيل سمو ولي العهد – رحمه الله – أدعو الله سبحانه وتعالى أن يعينه على تحمل المصاب، وإنا لله وإنا إليه راجعون. * وزير الاقتصاد والتخطيط