نتيجة لظروف ديموجرافية، وأخرى حياتية، شكلت الطفرة الأولى في المملكة منحى مؤثراً في نمط حياة السعوديين، وما بين طعم الرفاهية الذي تذوقوه في زمن يسير منها، وما بين ثقافة العمل التي تشكلت في ظل مرحلة لم يكن السعوديون فيها محتاجين ولا مؤهلين لممارسة أعمال خاصة، سيطر الوافدون على العمل في البلاد آنذاك، حتى بات من العرف أن الأجنبي له العمل الخاص، والسعودي له الوظيفة الحكومية.. لكن ظروفاً اقتصادياً في أواخر التسعينيات من القرن الماضي كانت قد دفعت الحكومة إلى محاولة إشراك القطاع الخاص في تحمل وزر البطالة التي بدأت تنتشر بين فئة الشباب في طول البلاد وعرضها، وبالرغم من المحاولات الحكومية في هذا الصدد، إلا أنها لم تحقق هدفها في توظيف مواطنين يعمل ببلدهم قرابة العشرة ملايين أجنبي.. وفي ظل هذا الوضع طالب مختصون في الموارد البشرية بفتح السوق أمام السعوديين ليمارسوا أعمالاً حرة في سوق كبير مليء بالفرص الهائلة.. وبالرغم من إحكام العمالة الأجنبية قبضتها على هذا السوق بكافة مناشطه، إلا أن مراقبين يعولون على الدعم الحكومي والمتمثل في تقديم الحماية كما حدث في سوق الخضار الذي ظل السعوديون يديرونه بنجاح كبير منذ العام 1421ه إلى أن خرجوا منه عام 1431ه بعدما رفعت الحكومة يدها عن تطبيق حصره على السعوديين.. وفي هذا الاتجاه بدأ وزير العمل الحالي مقتنعاً بفكرة الحماية للمواطنين من خلال تصريح نسب إليه مؤخراً كشف خلاله عن دراسة تعدها وزارة العمل مع صندوق تنمية الموارد البشرية من أجل قصر وظائف قطاع الاتصالات والتقنية على السعوديين فقط، ومنع الوافدين من العمل بها. وبالرغم من نية وزارة العمل التفكير في حصر العمل في قطاعات معينة على السعوديين، إلا أن مراقبين واقتصاديين كانت أعينهم على قطاع التجزئة كلما كان الحديث عن التوطين، هذا القطاع الذي واصل النمو بمعدل سنوي مركب بلغ 12% خلال الخمسة أعوام الأخيرة، وبلغت مبيعاته نحو 98 مليار دولار، فيما توقعت تقارير اقتصادية أن يبلغ نموه بمعدل سنوي مركب 8.9% وصولاً إلى 138 مليار دولار في العام 2015م. في الوقت الذي أشارت فيه تقارير اقتصادية إلى أن قطاع التجزئة يمثل ما نسبته 60% من حجم سوق العمل التجاري في المملكة والذي يمثل ما يقارب 19% من ناتج الحجم المحلي. فيما يعتبر قطاع البيع بالتجزئة النشاط الاقتصادي الأول في البلاد من حيث عدد العاملين به في القطاع الخاص، حيث يبلغ تعدادهم نحو 1.5 مليون عامل يمثل السعوديون منهم نسبة تكاد ألا تذكر. معاهد التدريب ساهمت في ادخال السعوديين إلى سوق العمل صعوبة التوجه لماذا لم يستطع السعوديون اقتحام مجالات العمل الخاص في بلدهم.. ولماذا أصبح الأجنبي هو المسيطر على كل شيء في قطاعات الأعمال الخاصة؟ ماذا ينقص شباب الوطن ليتولوا أعمال بلدهم ويستفيدوا منها؟ يقول عبدالله هادي الحربي المدير العام لشركة باج للاستشارات الإدارية والتدريب إن الحكومة لم تستطع أن تقدم أي دعم يذكر للسعوديين في ظل عوامل محبطة لهم تحول دون اقتحامهم لسوق العمل الحر، مما جعلهم حبيسي البحث عن الوظيفة المنشودة.. وقال إن ثقافة العمل لدى الغالبية العظمى من المواطنين والتي ورثها عن أبيه وربما عن جده هي أنه موظف حكومي.. ويضيف الحربي: ليس هناك جهود حكومية تذكر في مسألة توفير تمويل للشباب الذين يرغبون في إقامة أعمال خاصة، وليس هناك دعم معنوي من خلال توفير استشارات اقتصادية ومساعدتهم في رسم أهدافهم التجارية خاصة وأن الغالبية العظمى من الشباب ليس لديهم خبرة كافية في إدارة الأعمال التجارية.. وقال إن المنافسة بين الشباب السعوديين والأجانب غير متكافئة، كما انتقد في الوقت ذاته وقت فتح المحال التجارية في المملكة، مشيراً إلى أنه يناسب المقيمين أكثر من المواطنين الذين لديهم عائلات والتزامات اجتماعية، مطالباً بأن يقنن وقت فتح المحلات التجارية كما هو في دول كثيرة.