أسئلة ملحة تثيرها المحاولة الإيرانية المكتشفة لاغتيال السفير السعودي في الولاياتالمتحدة رغم أنها لم تأت خارج سياق السياسة الإيرانية المعتادة في المنطقة. أسئلة تتعلق بالتوقيت والغايات كما تتعلق بطبيعة الشخصية المستهدفة بعملية الاغتيال، وصولاً للآثار المترتبة عليها إقليميا ودوليا وخصوصا في ظل ظرف استثنائي تمر به المنطقة. ومثيرة للاهتمام تلك الخطوة غير المفسرة من طهران التي أنهك نظامها من توالي ما جلبه لذاته متخبطاً في قراراته، حتى أصبحت دون معنى وهدف وغدت كما يقول ل» الرياض» الباحث في «تشاتهام هاوس» الدكتور أحمد أنصاري «عملية بلا معنى». وتوجهت «الرياض» بسؤال الدكتورة سوزان مالوني كبيرة باحثي معهد بروكينغز عن سبب استهداف السفير الجبير، فأجابت «ليس لدي إجابة مقنعة لهذا السؤال». واستدركت «لكن يبدو لي أن استهداف شخصية ما مميزة يضفي أبعاداً غريبة لهذه المكيدة. الامر الآخر ان الأنشطة الإرهابية الإيرانية استهدفت زعماء وأفراداً ومؤسسات تكون في العادة مصدر استياء إيران في الأساس». وهذا يعيدنا لتفجيرات أبراج الخبر التي تتذكرها مالوني في سياق تورط طهران في أحداث دامية في أفغانستان والعراق. وطرحت مالوني فرضيتين حول نوعية الهدف الذي انتقته إيران في عمليتها، مرجحة أن يكون استهداف إيران للسفير الجبير يعود إلى كونه يرمز للعلاقات السعودية - الأميركية. كما ان هناك ما يشير إلى أن المسؤولين الإيرانيين غاضبون من تسريبات نشرتها «ويكيليكس» حول نقاشات بين المملكة والولاياتالمتحدة أيّد فيها الجبير اقتراحاً للجم البرنامج النووي. إلا أن الباحث كينيث كايتزمن يشير إلى أن طبيعة المؤمراة من النوع الأكثر منطقية ليس لأنه السفير الجبير فحسب بل لأنهم أيضاً يستهدفون النظام السعودي وكبار المسؤولين. ويضيف كايتزمن «من الواضح ان هناك منافسة استراتيجية او أسوأ من ذلك بين البلدين. وتتفق مع ذلك سوزان مالوني فتشير في حديثها ل»الرياض» عن حدة التوتر المتصاعد في الخليج والشرق الاوسط عموماً ودلالة على مدى الخلاف بين المملكة وايران ، وأكدت أن الامر المدهش والمقلق هو ان هناك رغبة واضحة من كبار المسؤولين العسكريين الإيرانيين للقيام بمثل هذه العملية على التراب الأميركي مع اعتبار وقوع إصابات كبيرة إضافية كارثية. لم يحدث شيء مثل هذا او كان قد خطط له منذ 32 عاماً في حوادث متفرقة. وتستطرد مالوني قائلة «إن محاولة تنفيذ مثل هذا الهجوم الوقح في العاصمة الأميركية كان سيؤشر لتصعيد دراماتيكي إلى ما كان في السابق حملة غير مكثفة ضد نفوذ ومصالح الولاياتالمتحدة. تاريخياً كان القادة الإيرانيون يحسبون مخاطر سلوكهم العدواني بحذر أكثر مما فعلوه الآن. ذلك انهم - او على الأقل بعض القادة في المؤسسة العسكرية - في هذه القضية او العملية لم يلتفتوا إلى المضامين الخطيرة لهذا العمل على الاستقرار في الشرق الأوسط. وحول ما إذا كان القصد من هذه العملية التأثير على العلاقات السعودية - الأميركية، تجيب مالوني «لا أشك في ان قصد إيران من هذه المؤامرة الإضرار بالتعاون الوثيق والصداقة الطويلة بين واشنطنوالرياض، ذلك ان الهجوم الذي قصد منه قتل سعوديين وأميركيين على حد سواء كان سيعزز الشراكة السعودية -الأميركية في وقت يوجد فيه بعض الاختلاف في وجهات النظر في بعض القضايا بين البلدين. ولا أتصور ماهية الفائدة التي يمكن أن يجنيها أي شخص في إيران نتيجة لمثل هذا الهجوم ويبدو لي أن النتيجة النهائية للعمل الإرهابي ضد السفير الجبير في قلب المؤسسة السياسية الأميركية ستكون كارثية للمصالح الإيرانية نفسها». نصل بذلك إلى أن قادة إيران ما انفكوا يهددون بطمس إسرائيل واستئصالها كخلية سرطانية ومعها الولاياتالمتحدة القوة الشيطانية أو الشيطان الأكبر... حتى دخلنا في مرحلة اختلطت علينا المفاهيم فأصبحنا لا نفهم هل عدو إيران الحقيقي إسرائيل أم أنها جعلتنا أعداءها، فوقعت بذلك في نفاق واضح وازدواجٍ للمعايير وتصريحات تظهر فيه ما لا تبطن، وأي مستقبل لدولة جعلت من الإرهاب «المشرع» أداة لتصفية خلافات مع ذلك البلد أو ذاك فغدت بتلك الايدولوجيا أسيرة جنون الارتياب والعظمة.