أوضح الشيخ الدكتور محمد النجيمي أن العالم يشهد في هذا العصر موجات إرهابية كثيرة وخطيرة ومتنوعة فليس هناك بلد في العالم إلا وقد اكتوى بنار هذا الوباء، ولكن مقل منه ومستكثر ومع تنوع وتباين أشكاله والقوالب التي يعرض فيها نجد أيضاً تنوعاً فيمن يباشر هذه العمليات الإرهابية من أفراد وجماعات وعصابات ودول فليس للإرهاب لغة وليس له وطن وليس له دين ورغم أن المملكة متمسكة بشرع الله وتطبيق حدوده، إلا أنها لم تسلم من هذا الوباء فقد اكتوت بنار الإرهاب مراراً في مواقع متعددة بصورة متنوعة. ومما لا شك فيه أن للعلماء وطلبة العلم الشرعي دوراً كبيراً في مكافحة الإرهاب وقد قاموا بواجبهم من خلال مؤسساتهم التي ينتمون إليها ببيان حكم الشرع في هذه الظاهرة موضحاً ابعاد أخطارها على الفرد والمجتمع وعلى العالم أجمع والتركيز على دور المؤسسات الشرعية في تحصين المجتمع من الإرهاب. وقال إن المؤسسات الشرعية في المملكة قامت بجهود جبارة حيال محاربة هذا الفكر المنحرف. فعن دور هيئة كبار العلماء في مكافحة الإرهاب قال الشيخ الدكتور محمد النجيمي أنشئت هيئة كبار العلماء بموجب مرسوم ملكي بتاريخ 8/7/1391ه تتولى الهيئة أموراً من أهمها: أ- إبداء الرأي فيما يحال إليها من ولي الأمر من أجل بحثه وتكوين الرأي المستند إلى الأدلة الشرعية فيه. ب- التوصية في القضايا الدينية المتعلقة بتقرير أحكام عامة، ليسترشد بها ولي الأمر، وذلك بناء على بحوث يجري تهيئتها وإعدادها طبقاً لما نص عليه في هذا الأمر واللائحة المرفقة له. وحدت المملكة العربية السعودية المرجعية الدينية في الفتوى ولا سيما في النوازل الكبار وحصرتها في هيئة كبار العلماء بلجنتها الدائمة والعامة ويرأسها المفتي العام للمملكة العربية السعودية فهي تفتي الناس في القضايا والنوازل وفي شؤون الحياة كلها وتتحقق تأهيل من يتصدرون للافتاء في أمور الناس المختلفة، كما أن وجود هيئة كبار العلماء وقيامها بدورها الحقيقي كان صمام أمان للأمن الفكري، وقد لاحظ الجميع في السابق كيف كان توحيد المرجعية الدينية سبباً - بإذن الله - في حماية الأمن الفكري للمجتمع أمام أحداث خطيرة مرت بهذا البلد، ومنها فتنة احتلال الحرم المكي الشريف عام 1400ه واحتلال الكويت 1410ه وما تبعها من مجيء القوات الأجنبية إلى بلاد المسلمين ثم ما تبع ذلك من أحداث إرهابية مختلفة كان أولها: 1- حادث التفجير الذي حدث في مكة في 7/12/1409ه وقد أصدرت هيئة كبار العلماء في دورة المجلس الثانية والثلاثين المنعقدة في مدينة الطائف ابتداء من 8/1/1409ه إلى 12/1/1409ه وقد اعتبرت الهيئة ما حدث جريمة حرابة وقد جاء في نص البيان بإن المجلس يقرر بالإجماع ما يلي: أولاً: من ثبت شرعاً أنه قام بعمل من أعمال التخريب والإفساد في الأرض التي تزعزع الأمن بالاعتداء على النفس والممتلكات الخاصة أو العامة كنسف المساكن أو المساجد أو المدارس والمستشفيات والمصانع والجسور ومخازن الأسلحة والمياه والموارد العامة كبيت المال، وأنابيب البترول ونسف الطائرات أو خطفها ونحو ذلك: فإن عقوبته القتل لدلالة الآيات المتقدمة على أن مثل هذا الإفساد في الأرض يقتضي إهدار دم المفسد ولأن خطر هؤلاء الذين يقومون بالأعمال التخريبية وضررهم أشد من خطر وضرر الذي يقطع الطريق فيعتدي على شخص فيقتله أو يأخذ ماله وقد حكم الله عليه بما ذكر في آية الحرابة. ثانياً: أنه لا بد قبل إيقاع العقوبة المشار إليها في الفقرة السابقة من استكمال الإجرائية الثبوتية اللازمة من جهة المحاكم الشرعية وهيئات التمييز ومجلس القضاء الأعلى براءة للذمة واحتياطاً للأنفس وإشعاراً بما عليه هذه البلاد من التقيد بكافة الإجراءات اللازمة شرعاً لثبوت الجرائم وتقرير عقابها. ثالثاً: يرى المجلس إعلان هذه العقوبة عن طريق وسائل الإعلام وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه. 2- وعقب ذلك أصدرت هيئة كبار العلماء قراراً حول حادث التفجير الذي وقع في حي العليا في الرياض في 20/6/1416ه واعتبرته اعتداء آثماً واجراماً شنيعاً وخيانة وغدراً إلى آخر البيان. 3- كما أصدرت هيئة كبار العلماء قراراً حول حادث التفجير في مدينة الخبر يوم الثلاثاء 9/2/1417ه وقررت الهيئة بالإجماع أن هذا التفجير عمل إجرامي بإجماع المسلمين وأن الإسلام بريء من هذا العمل وكل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر. 4- بيان هيئة كبار العلماء في دورتها التاسعة والأربعين المنعقدة بالطائف ابتداء من 2/4/1419ه والذي ناقش ما يجري في كثير من البلدان الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير وقد أصدر المجلس قراراً يمكن إجماله فيما يلي: أ- التكفير حكم شرعي مرده إلى الله ورسوله ولا يصدر الفتوى بشأنه إلا العلماء الربانيون الراسخون. ب- ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء وانتهاك الأعراض، وسلب الأموال الخاصة والعامة وتفجير المساكن والمركبات وتخريب المنشآت، فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعاً بإجماع المسلمين، بما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة، وهتك لحرمة الأموال... إلخ. 5- بيان هيئة كبار العلماء في جلستها الاستثنائية المنعقدة في مدينة الرياض يوم الأربعاء 13/3/1424ه والذي استعرض حوادث التفجيرات التي وقعت في مدينة الرياض مساء يوم الاثنين 11/3/1424ه والذي تضمن نقاطاً عديدة من أهمها: أ- أنه لا يجوز بحال الاعتداء على النفس المسلمة وقتلها بغير حق، ومن يفعل ذلك فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب العظام. كما أن الإسلام حرم الاعتداء على الأنفس المعصومة: أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين. ب- أن هذه الأعمال الإجرامية تسلط الأعداء على أهل الإسلام وتبرر لهم الاعتداء على المسلمين. أما عن دور وزارة الشؤون الإسلامية في مكافحة الإرهاب: فيقول د. النجيمي: إن المتتبع في أهداف الوزارة يجد أنها تعنى بمكافحة الإرهاب فهي تعرف العالم بالإسلام بمنطق العلم والعقل لا بمنطق الإرهاب والعنف وهي أيضاً تدعو غير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة وتزيل الشبهات التي تثار حول الإسلام، وتوجه المسلمين للالتزام بحقيقة الإسلام ومعالجة المغالاة والتشديد من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات وبعثات الدعوة في الداخل والخارج، كما أنها ترسخ أثر المساجد باعتبارها مركز إشعاع في التوجيه ونشر الفضيلة والالتزام بشرائع الإسلام وآدابه، وهي بهذا كله تحارب الإرهاب والعنف والغلو والتشدد والتنطع. كما أنشأت الوزارة جهازاً يعنى بالتوعية الإسلامية في الحج فيوعي الحجاج بأحكام الحج والعمرة وآداب الإسلام وأحكامه. وتقيم الدورات العلمية في الداخل والخارج. وأنشأت الوزارة مركز البحوث والدراسات الإسلامية والذي من أهم أهدافه: إجراء البحوث والدراسات المتخصصة، وإصدار الموسوعات العلمية المتخصصة، ونشر البحوث والدراسات التي تعالج القضايا الإسلامية المعاصرة، وإصدار الكتب والدوريات العلمية المحكمة المتخصصة، وإقامة المؤتمرات والندوات والمنتديات العلمية والمشاركة فيها وغيرها من الأهداف. وقد بلغ إجمالي المناشط الدعوية التي قام بها فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالرياض فقط والإدارات والمكاتب بالمحافظات والمراكز خلال هذه الحملة مجملة فيما يلي، ومفصلة في الصفحات التي تلي ذلك: انظر الجدول اما دور المعاهد العلمية في مكافحة الإرهاب يوضح د. النجيمي: من اهم اهداف المعاهد العلمية والتي تعتبر تابعة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: 1 - تواكب المعاهد العلمية النهضة التعليمية في البلاد، وتشارك التعليم العام في مواد الدراسة المناسبة وتعنى عناية خاصة بالعلوم الإسلامية واللغة العربية. ويؤهل هذا النوع من التعليم الدارسين فيه للتخصصات في علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية الى جانب الدراسات في الكليات النظرية الملائمة. ويرعى هذا التعليم ابناءه علمياً وتربوياً وتوجيهياً ومسلكياً لتحقيق اغراضه الأساسية من كفاية البلاد من المتخصصين في الشريعة الإسلامية واللغة العربية والدعاة الى الله. وتحقيق عناية الدولة - وفقها الله - لخدمة العلوم الشرعية والعربية؛ لكونها اشرف العلوم ولعلاقتها بنظام الحكم والإدارة في الدولة . من خلال الأهداف السابقة الذكر يتبين لنا ان المعاهد العلمية هي التي تمد الكليات الشرعية والعربية بالمتخصصين في العلوم الإسلامية والعربية والذي يشغل عدد كبير منهم وظائف القضاء والإفتاء فجميع اعضاء هيئة كبار العلماء تقريباً من خريجي المعاهد العلمية. اما مدارس تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم ودورها في مكافحة الإرهاب فبيين د. النجيمي: انشئت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم عام 1386ه - 1387ه ثم انتقل الإشراف عليها فيما بعد الى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وفي عام 1415 انتقل الإشراف على الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم الى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد ولا يزال الى وقتنا الحالي. اما دور الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكافحة الارهاب فيوضح د. النجيمي: فالهدف الأساسي للجمعية هو تحفيظ اولاد المسلمين القرآن الكريم وإحياء دور المسجد والتحصن بالقرآن الكريم من فتن آخر الزمان ومن المعلوم ان المقصود بفتن آخر الزمان عند اهل السنة والجماعة هو الغلو والتشدد، والذي يؤدي الى قتل الناس وسفك دمائهم والاقتتال والاحتراب من اجل متاع الدنيا من سلطة ومال. والمملكة العربية السعودية منذ انشاء هذه الجمعية جعلتها تحت الإشراف الحكومي المباشر فكانت في بداية امرها تحت اشراف سماحة مفتي عام المملكة الشيخ: محمد بن ابراهيم آل الشيخ ثم بعد ذلك انتقل اشرافها الى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم الى وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف منذ عام 1414ه - 1415ه الى وقتنا الحاضر. وهذا يؤكد حرص الدولة على ضبط هذه الجمعية بالإشراف الحكومي المباشر وما يثار من شبهات حول هذه الجمعية لا اساس له من الصحة لأنها تحت الإشراف الحكومي المباشر وجميع الدروس والمحاضرات التي تلقى فيها مراقبة من الأجهزة الحكومية المختصة ومن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف.. دور جامعة الإمام بن سعود الإسلامية في مكافحة الارهاب ويتلخص في ثلاثة امور لمكافحة الارهاب: اولاً: ضبط وسائل المعرفة: ان فتح الآفاق العلمية والمعرفية لأفراد المجتمع افضل الطرق لدعم نموهم المعرفي الذي يتحكم في توجيه مواقفهم وقراراتهم. وبالتالي، فإن هذه المعرفة معرضة لأن تتحول الى سلطة وقوة تدفع مالكها الى السيطرة والهيمنة العبثية على من لا يملكها ويجهل حقيقة وظيفتها السامية عن طريق ادارة هذا الصراع الفكري الخفي الذي يغزو بصمت، ويلبس عدة اقنعة، فيظهر في هيئة ممارسات مادية ارهابية لا عهد لمجتمعاتنا الإسلامية البسيطة بها؛ ولأن طبيعة الإرهاب وجرائمه التي تكمن خلفها تنظيمات سرية هي طبيعة الخفاء والغموض، والإبهام بتفكك العلاقات بين انواع الجرائم التي تغذيه وبين محركاتها. على رغم ان للمعرفة الإنسانية هذا الوجه المظلم الذي قد يكون اداة للإرهاب والعنف، لا ترحم صغيراً ولا كبيراً الا ان لها وجهاً آخر مشرقاً وآمناً، وهو الوجه الذي تعمل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية على تأصيله اعتماداً على الاحتكام للشرع وضبط الفتاوى الشرعية في امور الدين والدنيا، والتسامح في اطار المعقول وغير الضار، والحوار المعتدل الذي يسقط الشبهات، ويعلي الحقائق الواضحات، وكل ذلك تسعى الجامعة الى نشرة بين فئات الناس، وتدعيمه مهما اعتراه عدم فهمهم الأولي له، او عدم اخذهم به؛ لأن المعرفة التي من طرق اكتسابها وإكسابها التعلم والتعليم، رحمة كونية من الله - جل وعلا - انزلها مع رسله - عليهم افضل الصلاة وأتم التسليم - وأنزل تشريعها معها، كيلا تستخدم في غير وظيفتها السامية الآمنة؛ يقول تعالى: {ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين} . فدورها في مكافحة الإهاب هو تبليغ رسالة الإسلام الى العالم بالحكمة والموعظة الحسنة، وتعليم وتثقيف ابناء المسلمين في العالم وتعليمهم العقيدة الإسلامية الصحيحة وبالتالي فإن هدفها هو خدمة الإنسانية ونشر الإسلام والسلام، وليس في مناهجها وأبجدياتها ما يدعو الى العنف والإرهاب، بل من مناهجها وأهدافها نبذ العنف والإرهاب والدعوة الى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وطاعة ولاة الأمر وحرمة الخروج عليهم. اما دور جامعة ام القرى في مكافحة الإرهاب: تنهج جامعة أم القرى نهج سابقتيها جامعة الإمام والجامعة الإسلامية في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وترسيخ احكام الشريعة الإسلامية ومحاربة العنف والإرهاب من خلال مناهجها وندواتها ومؤتمراتها، وإعداد الأجيال التي تحترم دينها وولاة امرها . واختتم د. النجيمي حديثه بقوله: لم تتفق المنظمات الدولية على تحديد معنى واحد للإرهاب لأغراض سياسية او ايديولوجية او دينية. والارهاب من وجهة نظر المسلمين هو التخويف والإفزاع من اجل الوصول الى هدف معين. ووحدت المملكة العربية السعودية المرجعية الدينية في الفتوى في هيئة كبار العلماء وقد اصدرت الهيئة عدة قرارات حرمت بموجبها الإرهاب واعتبرته من جرائم الإفساد في الأرض مما يدحض الأقاويل والشبهات التي تثار حول موقف علماء المملكة العربية السعودية من الإرهاب. وتقوم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بدور مهم في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومعالجة المغالاة والتشديد من خلال المحاضرات والندوات والمؤتمرات والمساجد، كما ان لمعالي وزير الشؤون الإسلامية دوراً بارزاً في مكافحة الإرهاب من خلال كلماته التوجيهية ومحاضراته وكلماته. تقوم المعاهد العلمية والجامعات الإسلامية بدور مؤثر وبارز في الدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وتهيئة ابناء هذا البلد وغيرهم في العلوم الإسلامية والعربية كما تقوم بمحاربة التعصب والتشدد والإرهاب من خلال مناهجها وكلياتها ومراكز بحوثها. كما ان لمدارس تحفيظ القرآن الكريم والجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم دوراً مهماً في تحفيظ القرآن الكريم والدعوة الى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ومحاسبة الغلو والتشدد من خلال مناهجها. وانني هنا اوصي بالحذر من الدعوات الباطلة والمعرضة التي توجه سهامها المسمومة الى مؤسساتنا الشرعية وتتهمها بالإرهاب والعنف ظلماً وعدواناً. وأرى ان تهتم وسائل الإعلام وجميع مؤسسات الدولة بإبراز دور المؤسسات الشرعية في مكافحة الإرهاب وتأصيل مبدأ الوسطية في الإسلام.