صدم المخطط الإيراني الإجرامي لاغتيال السفير السعودي في واشنطن العالم بأسره بمختلف أطيافه وأجناسه ومعتقداته، وأحدث الكشف عن هذا المخطط صدمة وذهولاً لدى كافة شعوب العالم، في الوقت الذي يعد فيه هذا المخطط انتهاكا سافرا لجميع القوانين الدولية والإنسانية والدينية. وبالعودة لتاريخ إيران مع تصدير الثورات نجد أنه قد انطلقت شرارة الفتنة الإيرانية بعد سقوط نظام محمد رضا بهلوي ووصول نظام الخميني للسلطة بعد عودته من منفاه في فرنسا. ورغم جهود دول الخليج الحثيثة في توطيد العلاقات الأخوية المبنية على الاحترام المتبادل والمنفعة العامة، إلا أن النظام الإيراني الجديد أصر على نقل الثورة إلى جيرانه من دول الخليج، حتى أن هذا النظام بات يقابل يد التسامح والتصافح بفتح جبهات جديدة من الفتنة، ومنذ ذلك الوقت بدأت معاناة جيران إيران من دول الخليج مع هذا النظام حتى اليوم. ورغم جهود المملكة في توثيق عرى الإخوة مع كل الدول الإسلامية والعربية والصديقة، إلا أنها قد تعرضت للعديد من المؤامرات المغرضة من قبل النظام الإيراني، خاصة وأن إيران كانت تستغل تجمعات المسلمين لأداء فريضة الحج في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، مستغلين روحانية وهدوء هذه النسك الإسلامية لإثارة الفتنة وزرع بذور الشر. لقد جعلت إيران من الحج مقصدا لها لإحداث الفتنة وأعمال الشغب مستغلين العاطفة الدينية لدى المسلمين، والذين يعرفون جيدا حيلهم الدنيئة، ومخططاتهم الدموية المتجردة من الإنسانية والدين. خاصة وأن الحجاج الإيرانيين قد نفذوا في العام 1987 أكبر جريمة إنسانية تنفذ في المشاعر المقدسة، حيث أقاموا مظاهرات واسعة في موسم الحج استهدفوا من خلالها قتل الحجاج وتدمير الممتلكات، وقاموا بتنفيذ أعمال شغب وتكسير وحرق وتعطيل الطرقات وخلالها سقط أطفال أبرياء ونساء وشيوخ كبار، ثم ظهر الإعلام الإيراني على المجتمع الدولي بصورة المظلوم المسالم، وهذه حجج واهية لم تنطل على المراقبين وخبراء السياسة والإعلام في العالم. ولإيران الكثير من المواقف المشينة مع جيرانها من دول الخليج وغيرها، وخصوصا المملكة، حيث تعرض دبلوماسيون سعوديون قبل أعوام في طهران إلى اختطاف، وتم احتلال السفارة السعودية، وهنا توترت العلاقات السعودية – الإيرانية، وبالفعل منع الحجاج الإيرانيون من الحج حتى عام 1991م. وما فتئت إيران منذ ذلك الوقت في تأجيج الفتنة الطائفية واللعب على وتر إيقاظ الوعي السياسي، ذلك بالتآمر على دول وشعوب المنطقة، والتي كان آخرها في البحرين والكويت مؤخراً. ولا بد أن يدرك الجميع أنه ومنذ قيام ثورة الخميني في عام 1979، والصفويون الوافدون على إيران قد حولوا إيران للتشيع بالقهر والقتل، حتى إن النظام الحاكم في إيران ينتهج سياسة هلاك وقتل أفراد أي طائفة غير فارسية بصرف النظر عن إيديولوجيتها، حتى الأقليات الإيرانية السنية والشيعية ممن يعتنقون معتقدا غير الجعفري تواجه ذلك العنف من النظام داخل إيران، متناسياً بذلك تاريخ إيران السني والذي استمر قريباً ألف سنة (إيران اعتنقت المذهب الشيعي في عام 907ه)، إضافة إلى تدهور أحوالهم الاقتصادية والمعيشية، وكل ذلك يحدث في ظل تجاهل إيران للنداءات المتكررة من قبل منظمة العفو الدولية، التي تطالب إيران بالتوقف عن قمع المطالبين من هذه الأقليات بالمشاركة السياسية أو بحقوقهم الاقتصادية، والعدول عن منع هذه الأقليات من ممارسة حياتها الاجتماعية أو الثقافية الخاصة، وإتاحة الفرصة لهم لممارسة حقوقهم كمواطنين إيرانيين. ولا بد أن ندرك أن هناك أقليات مسلمة تعيش داخل إيران أزمة حقيقية بأسباب التصنيف الديني والعرقي، مع العلم أن النظام الإيراني يعاني منذ 2009 حالة من الانقسام الداخلي، الأمر الذي دعاه إلى منع المظاهرات المؤيدة لما يسمى الثورات الإسلامية التي تجتاح دول المنطقة تخوفا من أن تتحول تلك المظاهرات إلى انتفاضة شعبية مناوئة للنظام. ولقد نجحت دول الخليج في تدخلها في الوقت المناسب، عندما تمكن درع الجزيرة من السيطرة على أحداث الشغب في البحرين المدعومة خفياً من إيران، وهو موقف استباقي موفق نجحت فيه دول الخليج في قلب موازين إيران، خاصة عندما شعر النظام الإيراني أنه في وسط الخطر المحدق الذي أطاح ببعض الأنظمة العربية، سيما في ظل قلقها من الأوضاع في دول مجاورة أو حليفة، ومدى تعرض مصالحها للمخاطر، وشعور النظام بحصار شديد، خاصة عندما ندرك حجم الصراع الذي تفجر داخل النظام الإيراني بين مناصريه منذ الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إضافة إلى ما يحدث من صراع بين الرئيس نجاد ومعارضيه، الأمر الذي أصاب عمق النظام الإيراني، وهو انقسام بين النخبة الحاكمة نفسها، ذلك في ظل ما يواجهه من إشكالات محلية وعالمية. وبقي أن نقول أن احتلال الأهواز وجزر الإمارات الثلاث ودعم الأمريكان في احتلال أفغانستان والعراق وتهديد الجيران، والتواطؤ مع الاتحاد السوفيتي الشيوعي قبل سقوطه قديماً، ورفض استقلال كوسوفو وغيرها من المواقف المشينة هي مؤشرات حقيقية على الواقع المشين الذي يعيشه إيران، وما يكنه للإنسان المسلم، وللإنسانية جمعاء من بغض دفين، ويدعو الجميع إلى فهم أعمق لحقيقة التشيع دينياً وانعكاساته السلبية على المنطقة.