لم تكن غالبية الفرنسيين تعرف من قبل جان بيار بيل الذي أصبح منذ بداية شهر أكتوبر الجاري رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي. ويقول المحللون السياسيون إن الظروف التي حفت بوصوله إلى هذا المنصب وبعض الأدوار المهمة التي يضطلع بها صاحب المنصب من شأنها مساعدة الفرنسيين على التعود بسرعة على نطق اسم جان بيار بيل والاحتفاظ به. أما عن هذه الظروف فإن هناك إجماعا على أن تسهيل فوز بيل بمنصبه الجديد يعزى إلى سيطرة اليسار لأول مرة منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وخمسين على مجلس الشيوخ الذي كان دوما مؤسسة تمثل التيار المحافظ في البلاد لاسيما داخل الأقاليم والمناطق الريفية الفرنسية. وأما عن بعض الأدوار الهامة التي يمكن لبيل القيام بها طالما ظل في منصبه كرئيس لمجلس الشيوخ فمنها أنه قادر بشكل آلي على ممارسة مهام رئيس الدولة في حال حصول شغور في هذا المنصب بسبب وفاة الرئيس أو إصابته بمرض يحول دونه ودون مواصلة صلاحياته أو استقالته لسبب أو لآخر. (أوراق كثيرة) وصحيح أن الشخصيات اليسارية التي تنتمي إلى الحزب الاشتراكي والتي كانت ترغب في الفوز بمقعد رئيس مجلس الشيوخ كثيرة. ولكن الأوراق التي يملكها بيل متعددة ولعل أهمها حرصه دوما على البقاء في الظل حتى يسلم من ألسنة الخصوم والحساد داخل حزبه وخارجه. فقد كان الفرنسيون يعرفون أن كثيرا من الشخصيات القيادية الثانوية في الحزب مقربة من هذا الزعيم أو ذاك. ولكن غالبيتهم لم تكن لتضع جان بيار بيل في خانة محددة لأنه كان حريصا على الابتعاد عن الأضواء. وحدها الأسابيع الأخيرة سمحت للفرنسيين بأن يعلموا مثلا بأن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي كان تلميذ ليونيل جوسبان رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق في المجال السياسي وأنه قريب اليوم من فرانسوا هولاند أكثر قياديي الحزب الاشتراكي المعارض حظا في تمثيل الحزب ومن ورائه اليسار في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وعلم غالبية الفرنسيين أيضا مؤخرا أن بيل كان قد ساند ترشح سيغولين روايال إلى الانتخابات الرئاسية الماضية. ومن أهم الأوراق الأخرى التي يملكها جان بيار بيل للنجاح في مهامه الجديدة مساره السياسي الثري على المستوى المحلي والإقليمي وتواضعه ومعرفته الجيدة بآلية عمل مجلس الشيوخ وعلاقته غير المتشنجة مع أعضاء مجلس الشيوخ المنتمين إلى أحزاب اليمين. فقد ولد رئيس المجلس الجديد قبل تسعة وخمسين عاما في قرية تسمى "لافور" وتقع في جنوبفرنسا الغربي. وهو ينحدر من أسرة معروفة بنضالها ضد النازية وضد النظام الذي كان الجنرال فرانكو يقوده في إسبانيا. وبالرغم من أن أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي هم عادة أشخاص ميسورو الحال، فإن بيل ظل دوما قريبا من هموم الناس البسطاء لأن والده عرف الفقر بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن الحال استقرت به سياسيا في ثمانينيات القرن الماضي مع الحزب الاشتراكي، ومن المهام السياسية الأولى التي تولاها رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي الجديد أنه انتخب عمدة لقرية "ميجانيس" التي لم يكن عدد سكانها يتجاوز ثمانين شخصا عام ثلاثة وثمانين من القرن الماضي. وقد انتخب لأول مرة عضوا في مجلس الشيوخ عام 1998. وأصبح يترأس كتلة الحزب الاشتراكي في المجلس منذ عام ألفين وأربعة إلى يوم تعيينه في منصبه الجديد. وفي أول كلمة ألقاها بعد انتخابه رئيسا لمجلس الشيوخ قال إنه سيسعى إلى الحديث والتصرف انطلاقا مما تمليه المصلحة العامة لا لفائدة مصالح حزبية ضيقة. وبرغم أن مجلس الشيوخ ليس لديه ثقل مجلس النواب في النظام السياسي الجمهوري الفرنسي، فإن أطرافا كثيرة في صفوف المعارضة ترغب في استخدامه منبرا لمضايقة اليمين الحالي الحاكم من خلال تشكيل لجان للتحقيق في ملفات كثيرة قد يؤدي تحريكها إلى الإساءة إلى رئيس الدولة الحالي على سبيل المثال. بقيت الإشارة إلى أن لرئيس مجلس الشيوخ الفرنسي الجديد ثلاث بنات من زيجتين اثنتين وأنه درس الحقوق ومارس عدة مهن قبل دخوله عالم السياسة في القطاعين السياحي والزراعي بشكل خاص.