افتتاح:- آه.. من همي.. ومنافي صدري.. لا تحتوي.. بثي.. ومدى حزني.. ليس ذاك.. لأن سدى الهم عندي عظيم.. إنما.. عجزت كل أمداء هذا السَّديم.. أن توافيني بالحميم.. الذي يتفهم همي العظيم.. آه.. من غمّي.. ليس ذاك.. لأن لظى الغم عندي لئيم.. إنما.. عجز هذا الفضاء المقيم.. عن قراءة نقمة غمّي.. هو غمّي اللئيم.. آه.. مليون عهد.. من القهر.. والكمد المستديم.. ليس هذا.. وذاك لأن مدى الخطب قربي جسيم.. إنما.. أنا.. اقرأ.. أدرك.. أعرفُ أفهم.. أفقه.. أن فضائي هباء.. هباء.. ليس لي فيه ركن ركين.. سألقي إليه بهمي.. وغمّي.. وقهري.. وغائلة الكمد المستديم.. سياق: في سوق عكاظ.. إذ احتدمت أسرار دلائله بوقائعه.. وأساطيره.. وأواخره.. بأوائله.. دوّت أنباء الراوي.. بواحدة.. من عجائب دنيانا العشر.. لا.. بل.. من عجائبها السبع.. لا.. بل.. من عجائبها الثَّلاث.. صحح الراوي خبره.. قال: بل أعجوبتها المفردة.. (طردت سوقنا الشاعر المستكين إلى وعدها.. لم يعد من مآثرها.. أن تجدد فيه الرجاء.. وأن.. تسعده مشاهد الحوار: دلف الفيلسوف.. إلى ساحة السوق مسترسلاً.. صوب خيمته.. وسرادقه.. وهناك.. تربع.. بين محبيه.. مبتهجاً.. وتفاءل.. بين مريديه.. مختلجاً.. ويمسح من لهفة وجهه.. ويمسد لحيته.. جال بالحكمة المنتقاة.. بكى.. ورثى لمعلمه.. الذي آثر الموت حباً جماً وفداءً صرفا.. لمنابت فكر الإنسان الحرّ وموقفه.. أقبل الشعراءُ.. وقالوا: سيدنا الفيلسوف.. تعبنا.. من التيه.. والموجعات.. وقهر الشتات.. فهلا.. رضيت لنا.. بمفاصلة الحظ والأمنيات.. أشار إليهم: ألا.. أيها الغارقون بسوء التجارب:- عودوا.. إلى ردهات الردى وشعاب الجنون.. فتقدم من بينهم مثقل بهزيمته.. قال: يا سيدي.. أنا لا أنشد المال.. لا أتكسب جئت مستشفياً.. وليشرح صدري.. ويوضع وزري.. ويرفع ذكري وأنجو من عسري صوب يسري.. حدق الفيلسوف.. وقال له:- أعذرني.. لا تجرحني.. يا إبني:- (من بادي الوقت وهذا طبع الايام عذبات الأيام ما تمدي لياليها) انبرى الشاعر المظلوم بسحنته.. قال: يا سيدي الفيلسوف: خدمت بلادي سنين عجافاً.. نطقت بمنجزها جذلاً.. وكتبت لها.. غنيت بها.. ومحصلتي: ستون خريفاً.. وما يتجاوزها أضابير أسى.. وثلاثون ديواناً.. أفلا يحتفي بمحصلتي.. ودواويني.. أطرق الفيلسوف ملياً.. وقال له: يا لسوء مصيرك يا ولدي.. ليس لي غير أن أتساءل فيك.. ولك: (يا ليل خبرني عن أمر المعاناة هي من صميم الذات ولا أجنبيه) قبل أن يستدير.. أتى دونه شاعر قد براه العذاب.. وأسقمه.. قال:- يا سيدي الفيلسوف: أنا.. لن أراوغ لن أتقول سوف أذيب الحقيقة: سكني مرهون بقيمته.. والأسهم قد نهشت مالي.. وحلالي.. لم أترك باباً.. أغراباً.. أو أحبابا.. لم أغفل زاير.. قلتُ أرجو معونته.. لم أنظر من أحد.. قلت يمكن أن يتداركني.. كان خوفي جباراً.. ورهابي إرهاباً.. جئتك الآن لا ألوي إلا على أملي.. طمعاً.. في الحسنيين.. أطرق الفيلسوف.. وقال له:- ليت لي لحظة من قرار.. قضى الأمر يا ولدي.. لا تؤاخذني.. اعذرني.. (يا صاح أنا قلبي من الهم مجروح جرح عطيب ما لقى له مداوي) ذهل الشعراء.. شكوا.. أجهشوا.. يا حكيم الفلاسفة.. استلهم الآن أوجاعنا.. أين نحن من النظريات.. التي أنت تبدعها.. وكتابك ينضح بالفلسفات الكبيرة.. أجهش الفيلسوف الكبير.. وقال لهم: ليس لي.. ولكم.. غير صمت مقيت.. وإلا فسوف ترون الذي لا يسر ولا تحمدون.. عند ذاك.. احتمى الشعر بالشعراء.. وفي.. مشهد محزن.. قاتل.. أنشدوا:- (يا زمان العجايب وش بقى ما ظهر.. إن حكينا ندمنا.. وإن سكتنا قهر..)