أعود لقرائي في جريدة الرياض بعد غيبة لا أدري إن كانوا قد شعروا بها أم أنها مرت مرور الكرام وسط زحمة كل ما يكتب ويقال في صحافتنا العربية هذه الايام المزدحمة بالكلمات. غبت عدة شهور عن هذه الزاوية، التي حلمت بها كهمزة وصل فعلًا بيني وبينكم، لأسباب لا أريد الحديث عنها الآن، لكنني في فترة غيابي كنت أفكر بتلك الهوة التي تفصل الكاتب عن قرائه غالبا مهما حاول ردمها بالتواصل، ومهما اخترع لها من همزات وصل كتابية. هوة لا ذنب له فيها ولا ذنب لهم هم أيضا فيها بالتأكيد. ولكنها موجودة مهما أدعينا نحن الكتاب عكس ذلك ونحن نستعرض الأثر الذي تتركه كلماتنا لدى الآخرين. بعيدا عن تلك اللحظات الاستعراضية أكتب مقالي هذا وأنا أشك بذلك الأثر الذي تتركه كلمات الكاتب لدى القارئ، أو على الأقل أشك بحجم ذلك الأثر. ربما لأنني مؤمنة أن الكاتب ، مهما أوتي من قوة في الاقناع ، وقبول لدى الآخر ، لا يمكنه أن يغير ما في هذا الآخر إن لم يكن لديه الاستعداد لذلك . أي أن القارئ هو من يستدرج لحظة التغيير المناسبة له حتى وإن نسبها لكاتبه المفضل. هل أعرفكم حقا أيها القراء؟ هل تعرفوني فعلا؟ هي الكلمات رسولي إليكم.. وهي تعليقاتكم التي لا يصل لي إلا بعضها عبر موقع هذه الجريدة مثلا أو من خلال رسائل الايميل. ومع هذا استمر في الكتابة في اتجاه واحد. أكتب لكم أحيانا وكأنني أخاطب نفسي. ولعل هذا أخطر ما في الكتابة الصحفية تحديدا . ان تكتب وكأنك تخاطب نفسك. وبالتالي تعزز لديك نزعة التفرد بقرار الكلمة، وتترسخ قناعة مزيفة أنك على حق. وربما لهذا السبب تحديدا يشعر الكاتب بالانزعاج من كل رأي آخر يسمعه أو يقرأه تعليقا على ما كتب. فهو من وجهة نظره المختفية بين ركام المقولات الجاهزة عن الرأي والرأي الآخر ، لا يكتب إلا الحقيقة ، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا من بين كلماته. يكتب وكأنه معلم يعلم تلاميذه. أو شيخ يلقي تعاليمه على مريديه الذين يسبحون له بالسمع والطاعة والقبول. في فترة غيابي عن الكتابة في هذه الجريدة، صرت أفكر عما أريده من الكتابة الصحفية تحديدا. على اعتبار ان الكتابة الابداعية هي شأني الخاص دائما، فما ذا وجدت؟ الواقع أن الاجابات التي حصلت عليها لا تكفي أبدا، وهي في مجملها قوالب جاهزة من ذلك النوع المعلب والذي لم يعد بالنسبة لي صالحا لأتكيء عليها وأنا أريد كتابة مقال جديد.. هل أعرفك أيها القارئ؟ هل تعرفني؟ أسألتي ما زالت تنظر إجاباتكم وإجابتي أنا ايضا، وها آنذا أدعوكم لإنقاذي من ورطة الكتابة بالإجابة .. فهل تفعلون؟.