تحلّ في اليوم الثالث والعشرين من شهر سبتمبر من كل عام مناسبة عزيزة خالدة، وهي ذكرى اليوم الوطني المجيد للمملكة العربية السعودية. ففي مثل هذا اليوم من عام 1351ه/1932م، سجّل التاريخ وبمداد من ذهب مولد المملكة العربية السعودية بعد ملحمة البطولة التي قادها المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -طيّب الله ثراه- على مدى اثنين وثلاثين عاماً بعد استرداده لمدينة الرياض عاصمة ملك أجداده وآبائه في الخامس من شهر شوال عام 1319ه الموافق 15 يناير 1902م. واحد وثمانون عاماً مضت حافلة بالإنجازات على هذه الأرض الطيبة التي وضع لبناتها الأولى الملك المؤسس وواصل أبناؤه البررة من بعده استكمال البنيان ومواصلة المسيرة. ولا شك أن احتفال الشعب السعودي الكريم بهذه المناسبة الوطنية يمثّل فرحة غامرة تملأ النفوس فخراً واعتزازاً، فهي حدثٌ تاريخي مشهود عزيز على قلب كل واحد من أبناء الوطن الأوفياء، يحمل في مضمونه معاني سامية، أكبر من أن تعبّر عنه الكلمات، إنها مناسبة تلخص مسيرة إنسانية مشّرفة، وسِفراً مضيئاً حافلاً بالمواقف التاريخية الباهرة، سجّلها الرجال الأبرار، قادة الأمة، بالإيمان الصادق والعزيمة الثابتة، والحكمة البليغة. ومن يتأمل مسيرة الملحمة الخالدة يجد أن معجزة خارقة تحققت على أرض الجزيرة العربية، وتواصلت بدون توقف، مدهشة العالم بمنجزات في كل ميدان، ويُجمِع المؤرخون الذين سجّلوا تاريخ المملكة العربية السعودية على علو الأهداف النبيلة، والقِيم السامية، التي وضعها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -يرحمه الله- نُصب عينيه، وهو يعتزم توطيد أسس الدولة السعودية التي يطمح إليها، ويرفع قواعد البناء الشامخ فيها. لقد حرص المغفور له الملك عبد العزيز، ومنذ وضع اللبنات الأولى في صرح الدولة السعودية الناشئة، على إرساء مبادئ الحق والعدل والخير، وعلى إنشاء أفضل العلاقات بين المملكة والأقطار العربية والإسلامية وكافة الدول الصديقة في العالم، إيماناً منه بأهمية مثل تلك العلاقات بين الشرق والغرب، وأثرها في تقدّم الأمم ونهضتها، ومن هذا المنطلق سعى الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه- لتوطيد هذه العلاقات عن طريق تبادل البعثات الدبلوماسية، والعمل الجاد من أجل نصرة قضايا العروبة والإسلام، وبالذات قضية العرب الأولى، فلسطين، فلم يدّخر وسعاً في تسخير كافة إمكانات المملكة وقدراتها ومكانتها في المجتمع الدولي، للإسهام في حل المشكلات التي واجهت الأمة العربية، وإحلال الوفاق وروح الأخوة بين الأقطار الشقيقة. كما قامت المملكة بدور فاعل على المستوى الدولي بالإسهام في معالجة الكثير من القضايا والمشكلات الدولية، وبالمساعدة في حالات الكوارث والأزمات، سعياً منها لإرساء روح السلام والاستقرار في أرجاء العالم. وهكذا سار قادة المملكة من بعده أبناؤه سعود، فيصل، خالد، فهد -رحمهم الله جميعاً- وصولاً إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز -حفظه الله- على نهج والدهم الملك المؤسس، وذلك من خلال سياسة خارجية للمملكة تحرص على التفاعل الإيجابي مع المجتمع الدولي من خلال التزامها بميثاق الأممالمتحدة والمعاهدات والاتفاقيات الدولية المنضمة إليها، ومن خلال التزام المملكة بعدم استخدام القوة في العلاقات الدولية وبعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، وشجبها لجميع الوسائل التي تخل بالأمن والسلم الدوليين، وتبعاً لهذا كله حظيت المملكة بتقدير واحترام العالم أجمع. وفي العهد الزاهر للمملكة كان لخادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز -رعاه الله- اهتمامٌ ودورٌ بارز في بناء الإنسان السعودي، لإيمانه الكبير -حفظه الله- بأن بناء الوطن يبدأ من بناء الإنسان القوي المؤمن بربّه ثم بوطنه ودوره في المجتمع، ولهذا كان همّه الأساسي وهو يرسي مع حكومته الرشيدة قواعد الدولة الحديثة، ويخطط لمشاريع العمل، وبرامج التنمية، أن يكون المواطن السعودي وهو الثروة البشرية الحقيقية، موضع الرعاية الشاملة، وأن تتاح له فرصة المشاركة في بناء الوطن في سائر مرافقه، مسلحاً بالإعداد السليم والتأهيل العلمي والخبرات الناجحة، لبلوغ الهدف الأسمى وهو العيش الآمن في مجتمع الرفاه والسعادة. ومن أجل ذلك أصدر -حفظه الله- توجيهاته الكريمة للتوسّع في الابتعاث الخارجي، فأصدر أمره الكريم رقم 5378/م ب وتاريخ 17/4/1426ه بإطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لمدة خمس سنوات أعقبه -رعاه الله- بموافقته على التمديد للبرنامج لمدة مماثلة. وقد بلغ عدد الملتحقين بالبرنامج سواء كانوا من طلبة الدراسات العليا أو البكالوريوس حوالي 125 ألف طالب وطالبة، يتابعون دراساتهم في أكثر من ثلاث وعشرين دولة -تم اختيارها من قبل وزارة التعليم العالي بعناية تامة- من الدول المتقدمة في المجال العلمي والبحثي. هذا بالإضافة إلى التوسع في إنشاء أحدث الجامعات في مختلف مناطق المملكة، سواء منها الجامعات الحكومية أو الجامعات والكليات الأهلية حتى بلغت في عهده الزاهر -حفظه الله- 24 جامعة حكومية، وثماني جامعات أهلية وحوالي 26 كلية أهلية تدرّس بها مختلف التخصصات العلمية، وما يحتاجه سوق العمل. ولهذا كان الملك عبد الله دائماً وأبداً في قلب كل مواطن سعودي يفخر بحبه والولاء لله ثم له... في الختام اسأل الله تعالى أن يعيد هذه المناسبة على قائدنا وراعي مسيرتنا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، وسمو النائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز، وعلى جميع أفراد الأسرة الملكية الكريمة والشعب السعودي النبيل، وهم جميعاً بأفضل حال، وكل عام ووطننا الغالي بخير وتقدم وسعادة على مدار الأيام. *الملحق الثقافي السعودي بسوريا