افتقدت الإصغاء إلى أصوات الحياة، وهو الاعتياد الذي دأبت على اصطحابه معك كلما تكررت الأخطاء، وتفتحت أبواب الغباء. تصغي إلى أصوات الحياة. لا شيء يخذل هذا الإصغاء، أو يبدد حضوره. كثيراً ما كان الحصار أقوى وأشد انفتاحاً على أيامك، ومع ذلك لم تتظاهر بأنك لم تسمع، أو تتآلف مع الأمكنة التي اعتادت أن تروّج لهذا الاستماع. غاب صوت داخلك فجأة. وحضر غضب الحياة كاملاً. تحرك من أمكنته وأخفقت في إعادة التوازن إليه. تعيش فجأة أوقاتك الصعبة ولكن لم تكن مستعداً لمواجهتها. لك أن تقلّب دفاترك القديمة إن تمكنت من فرز لحظة التقليب. ولك أن تفتح تلك الصفحات التي اعتقدت انك أغلقتها إلى الأبد وطويتها كما طويت غيرها. وعليك ألا تخفق في تحديد ملامح الصفحات التي تكررت. وألا تعيد إغلاقها كعادتك وكأنك تغلق على ماضٍ لن يعود. وتفتح على حاضر سيبقى رغم استعداده للرحيل. هو اعتياد متكرر منك بألا تستمع إلى ذلك السرد الطويل والمتواصل للصور التي عبرت. وللنماذج التي تكررت، واجتهدت بألا تكون ما تفيض به أيامك القادمة شبيهاً لها. تغادر الصورة أو تغادرك، ولا تحسب حساباً لها. تفتح الباب لرياح التغيير كاملاً دون أن تتعمد بأن تكون الباحث داخل أسراب هذه الرياح. لا توجد قواعد كاملة من الممكن الاتفاق عليها لادارة هذه الحياة، ولا توجد لحظات متصلة عليك أن تهادن فيها دون رغبة في ملامسة فوضى الأمل. ولا توجد لحظات اختيارية تستحق أن تفيض وتهدر بالفرح إن كنت خططت له. ولا توجد لحظات دقيقة تُرسم كما تريدها بإتقان واجتهاد. القواعد الثابتة لا تخرج عن ملامسة تلك الأحاسيس التي تحتمل التغيير، وتلك اللحظات المتغيرة. وذلك الانتظار الذي لن يأتي. وتلك الصفحات التي تُفتح فجأة دون ان تكون مستعداً لها، أو قارئاً جيداً لسطورها. وتلك اللحظات المفاجئة التي تأتي وتشعر معها دون أن تستعد لها بأنها تعنيك أكثر من سواها. وذلك المسار الذي يرسمه التاريخ ولا تدري أين ستكون متوازناً داخله؟ وأين مفاتيح الانضمام إليه؟ أو الافتراق على طرقاته؟ تشعر بالغياب. وبإحساس يحملك إلى عالم ينفتح على ضوضاء وصخب، ورتابة، وعبث، ومع ذلك تتمسك بإحساس الإصغاء والابتعاد عن التقلبات. نتمسك بالقدرة إلى الإصغاء وكأنك تهرب من الانزلاق إلى فيضان الغرق فيما لا تعرف. لست بعيداً عن إحساسك بالقدرة على البقاء دون الغرق في مسار ذلك التاريخ الهادر بكل ما هو غامض ومتحفز على نهايات غير معروفة. ولست بعيداً عن الامساك بما يفيض عن حاجتك، لكن اعتدت أن تدفع عن نفسك دوماً كل مسؤولية محتملة تشعر بها، ولا تعنيك.