تواترت اللحظة مع مفردات خسارة متوقعة... لم يكن الأمر يقبل التشكيك.. أو حتى التفكير في أنه لن يكون... حين لابد من الخسارة.. تعلمت أنه ليس عليك سوى الاستسلام.. لا عودة إلى نقطة المنتصف.. أو الخط السابق... لا تسوية من الممكن ممارستها.. أو محاولة الوصول إليها... عندما تحل الخسارة المتوقعة لن تجد ما تسند رأسك عليه.. أو تتحضر لمواجهته . كثيرة هي البشائر التي لوحّت لك بالخسارة.. وكثيرة هي الصور التي دكت حصونك مراراً لتلمّح لك بقدوم الغياب.. في لحظة من لحظات التفافك على المعتاد.. توقعت الخسارة لكن لم يكن متوقعاً.. متى؟... لم يكن هذا الاستعجال لحضورها من بنود مخططاتك.. في غياب الرؤية الواضحة... أو الاتكاء على اللامعقول يغيب الحدس الحقيقي للوعي بما سيكون.. وما هو متوقع.. طوفان صفحاتك الماضية وإن اطمئن إلى هدوء اللحظة إلا أنه استسلم لتباشير ذلك الرماد الذي وإن بدا بارداً إلا أنه ظل قابلاً للاشتعال أكثر مما توقعت... لا عودة إلى تلك المناطق الباردة.. والتي لم تفتح أبواب خسائرها. لا استيقاف لتلك الأمواج العاصفة والتي امتدت فوضويتها لتفكك كل شيء! خسرت ولكن هل من المناسب حصر تكلفة هذه الخسارة..؟ وهل من المناسب أن تتوقف الآن لتعتاد على التعامل مع هذه التكلفة مستقبلاً...؟ خسارة ربما الإحساس بها سيظل لا يفضي إلى نور في نهاية ذلك النفق.. خسارة النجاة منها.. أو محاولة التعامل معها ستفتح أمامك أفقاً لا يحمل ضوءه سوى اليأس، والوقوف لمتابعة ما تحت قدميك... خسرت... ولم يستهوك كغيرك أن تنكر حقيقة هذا الواقع الجديد.. أو التعامل معه بإحساس الهارب والرافض لمبدأ ما هو فيه.. استوطنتك الخسارة.. هكذا تشعر.. أو هكذا هو الواقع... انتزعت استقراءك المعتاد... دون أن تتمكن من التصدي لها حتى وإن كان من باب المحاولة.. قليلة هي لحظات العمر التي ينبغي علينا تدويرها.. والتعامل معها بعيداً عن المرارة المؤقتة.. قليلة هي اللحظات التي علينا أن نرثها فعلياً من الزمن، وأن لا نستسهل معنى هذا الميراث غير المتوقع.. ليست المشكلة عند الخسارة فيما أعطي من العمر.. وفيما تم استلامه من الثمن.. وليست في حجم التغيير الهائل الذي قد يطال الخاسر.. لكن الخسارة الأخطر في تلك المسافة التي تتسع أمامه فجأة لأرض يشعر أنها تتصدع وتمارس احتراقها كل لحظة! في هيمنة كل ما هو رديء على كل شيء دون ضوابط، أو إحساس بالتراجع.. غرابة الخسارة لمن لم يتوقعها كالانفجار المعلن والمدوي.. الذي يجعله في لحظة الكارثة راكضاً خلف المخلّص لا يخلّصه مما لم يضع له ضمانات صلبة.. مما أغلق اسئلته عليه على اعتبار أنها كانت ستكون بملامح شكلية.. خسرت.. ولو مزيداً من المراوغة الذاتية.. ولا قدرة على ترميم الخسارة.. أو تزيينها. فقط هناك فرصة واحدة للانتقال من رصيف الخسارة.. إلى رصيف ما بعد الخسارة، رصيف ليس به مقاعد للبكاء على الاطلال... أو مقاعد خالية للتفاوض مع مفردات الخسارة وتحليلها... رصيف متجه إلى الأمام والعودة منه مرة أخرى يعني الإذعان إلى فيضان الغرق فيما مضى..