أكدت نتائج الدورة الثانية من الانتخابات المحلية الجزئية التي جرت في فرنسا يوم الأحد الماضي توجهات الدورة الأولى التي كانت قد نظمت يوم الأحد قبل الماضي. فقد عزز حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف حضوره في مختلف مناطق البلاد برغم أنه لم يقدم مرشحين إلا في نصف الدوائر الانتخابية، وفاز بمقعدين في منطقتي "الفار" و"فوكلوس". وتراجع اليمين التقليدي الحاكم بينما أكد الحزب الاشتراكي أنه لايزال قاطرة المعارضة وأن السلطات المحلية لاتزال بين أيديه إلى حد كبير. ولكن نتائج هذه الانتخابات أثبتت أن توظيفها من قبل اليمين المتطرف واليمين التقليدي واليسار لمصلحة كل طرف في الانتخابات الرئاسية المقبلة يحتاج إلى خيارات وإجراءات محددة. فحزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف الذي حصل في أعقاب الدورة الثانية من الانتخابات المحلية الجزئية على قرابة 12 بالمئة من أصوات الناخبين مقابل 15 بالمئة في أعقاب الدورة الأولى غدا فعلا القوة السياسية الثالثة في البلاد. وأصبح الفرنسيون ينظرون إليه كما لو كان حزبا عاديا لاسيما بعد أن أصبحت تديره مارين لوبين نجلة جان ماري لوبين مؤسس الحزب. وبرغم أن اثنين وخمسين بالمئة من الفرنسيين يقولون إنه لابد من التعامل مع هذا الحزب كجزء لايتجزأ من الخارطة السياسية الحزبية في البلاد، فإن ثمانين بالمئة منهم غير مقتنعين بأفكاره ومقترحاته المتعلقة بالسياسة الاقتصادية ومنها مثلا الأفكار والمقترحات الداعية إلى التخلي عن استخدام اليورو والعودة إلى الفرنك الفرنسي والدعوة لانسحاب فرنسا من الاتحاد الأوروبي. وهناك اليوم قناعة لدى جزء كبير من ناخبي الحزب اليميني المتطرف بأنه لن يستطيع الحكم بمفرده في المستقبل وأنه مضطر في المستقبل إلى إجراء تحالفات مع اليمين التقليدي للوصول إلى سدة الحكم على المستوى الوطني. أما أحزاب اليمين التقليدي فإنها لم تحصل في مجملها إلا على ستة وثلاثين بالمئة من أصوات الناخبين في أعقاب الانتخابات المحلية الجزئية الأخيرة. ولم يحرز الحزب الحاكم في أعقابها إلا عشرين بالمئة من الأصوات. واتضح أن استراتيجية هذا الحزب الرامية إلى استغلال مواضيع يستغلها اليمين المتطرف عادة لكسب مزيد من الأصوات ومنها تحميل المهاجرين العرب والمسلمين بشكل خاص مسؤولية المشاكل الاجتماعية والاقتصادية المطروحة في البلاد استراتيجية فاشلة. وهناك قناعة لدى المحللين السياسيين أن احتمال انهزام اليمين التقليدي وارد في أعقاب الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري العام القادم وبخاصة إذا لم يتمكن اليمين التقليدي من وضع حد لانقساماته الداخلية. وأما أحزاب اليسار فإنها حصلت على قرابة خمسين بالمئة من الأصوات من بينها قرابة ستة وثلاثين بالمئة للحزب الاشتراكي الذي يدرك أنه لن يتمكن من الفوز في أعقاب الانتخابات الرئاسية المقبلة إلا بعد التوصل إلى اتخاذ عدة إجراءات من أهمها الاتفاق على مرشح قوي يحظى بإجماع الحزب وإعداد برنامج سياسي واضح ومقنع بالنسبة إلى غالبية الفرنسيين والتوصل إلى خارطة طريق واضحة المعالم فيما يخص التحالفات الممكنة مع أحزاب اليسار الأخرى ولربما مع بعض أحزاب وسط اليمين لكسب معارك انتخابات العام المقبل أي الانتخابات الرئاسية والتشريعية.