يأتي اليوم الوطني للمملكة هذا العام وبعض الدول العربية تعيش حالات من عدم الاستقرار بحثاً عن التغيير إلى الأفضل، أو ربما سيراً نحو المجهول، لقد استعصت أولويات الحياة الكريمة، ولا أقول الرفاه الاجتماعي على الإنسان العربي في بعض الدول العربية ردحاً من الزمن، حتى طفح الكيل، وضرب يجوب الشوارع والميادين تعبيراً عن السخط وسعياً نحو التغيير. إن من جملة أسباب كثيرة أدت إلى ما صارت إليه هذه الدول، هو الإرث الاستعماري، ذلك أننا إذا نظرنا إلى الممارسات الاجتماعية-الثقافية في التاريخ القريب للعرب، ولنقل خلال المائة سنة الماضية أو نحوها، لوجدنا أن جل المجتمعات العربية كانت خاضعةً للاستعمار والهيمنة الأجنبية غير العربية، أي أن الأفراد والجماعات في المجتمعات العربية كانت تعيش الخضوع والتبعية، وللأسف لم تنته التبعية والخضوع بزوال الاستعمار، ذلك أن حكومات ما بعد الاستقلال كرست الخضوع والتبعية من خلال أدوات ثقافية قائمة على مفهوم السلطة بمعناها الاستبدادي وعلى نشر ثقافة التسلط عبر آليات مختلفة منها الإعلام والتربية، وخصوصاً التربية. فكثير من الأنظمة التربوية في العالم العربي قائم على أسلوب التسلط التربوي الذي أسهم إلى حد كبير في تعطيل العقل والحد من ملكاته، مما عزز وجود سمات شخصية كالخوف والانزواء وتجنب الاكتشاف، هذا الموقف أدى إلى عجز العقل العربي عن إنتاج أدوات ثقافية تساعد على النهوض والتطور، الأمر الذي قاد إلى أن تكون المجتمعات العربية مجتمعات مستهلكة لنماذج حضارية جاهزة تم استيرادها من العالم المتقدم، وهنا تكمن إشكالية ليست فقط في المنتج المادي الذي أضفى على الحياة سهولة، ولكن أيضاً في الجانب الفكري لذات المنتج. إن استيراد أي نموذج حضاري اجتماعياً كان أو سياسياً، دون وعي الإنسان بتاريخه الفكري النمائي وتطوره من تجارب صغيرة محدودة إلى نموذج متكامل، أو على الأقل دون استعداد الإنسان له أوجد فجوة وعدم تواؤم بين الإنسان والمعطى الثقافي-الحضاري المقدم له، الأمر الذي أوجد أنواعاً من الصراعات بين المألوف الثقافي-الحضاري أو ما قد يسمى بالأصالة، وبين المعطى الثقافي-الحضاري الوافد أو المستورد. المملكة العربية السعودية قدمت نموذجاً وحدوياً متميزاً ومختلفاً في آليات الحكم وفي حل إشكالية الأصالة والمعاصرة، لقد أدت النهضة الاقتصادية التي شهدها ويشهدها المجتمع السعودي إلى التعامل مع مجتمعات وثقافات مختلفة من شرق العالم وغربه، استطاع المجتمع خلالها أن يتكيف مع نماذج حضارية متباينة، سواء من خلال التعايش مع جنسيات مختلفة ممن يفدون إلى المملكة ومن المقيمين فيها، أو من خلال سفر السعوديين إلى الخارج، وإحدى التجارب النيرة في هذا المجال "برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للابتعاث الخارجي" الذي يمثل نموذجاً عملياً للاحتكاك الثقافي والحضاري. إن السر في المقاربة المجتمعية بين الأصالة والمعاصرة هو أن المجتمع السعودي لم ينبهر بحضارات أخرى إلى درجة التمثل العقلي والوجداني، وكذلك لم ينفر من أي منجز إنساني ويحاول أن ينتقص منه، بل تم أخذ كل ما هو مفيد من نماذج حضارية مع المحافظة على الثوابت التي تمثل الأصالة، وبذلك فان المجتمع السعودي لم يغير جلده ويعيش التبعية، وكذلك لم ينعزل أو ينزوي معايشاً حالة من الانكسار والهزيمة الحضارية. مبروك هذا العرس الوطني الذي يتكرر كل عام، مبروك لقائد النهضة السعودية المعاصرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه، مبروك هذا الحب الجارف والولاء الصادق لملك الإنسانية من قبل شعبه، وخالص التهنئة بهذا اليوم الوطني لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام حفظه الله، ولصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية حفظه الله، وللأسرة الملكية الكريمة، وللشعب السعودي الحبيب. * عميد عمادة البرامج التحضيرية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية