أعاد الكاتب والأديب الدكتور منصور بن محمد الخريجي، الجدل إلى ما هية السيرة الذاتية والمذكرات وكتابتها من قبل المبدع، واعتبرها من الأجناس الأدبية المهمة والجاذبة التي تعكس حياة الإنسان، إذ تدون لمحات من تاريخ حياته والأحداث والعلامات التي مرت به وتستحق التسجيل، وهو ما يتماهى مع رؤية الناقد «فيليب لوجون» الذي يعرف السيرة الذاتية بأنها محكي استرجاعي نثري ينجزه شخص واقعي عن وجوده الخاص، حينما يشدد على حياته الفردية أو تاريخ شخصيته ويسرد تفاصيلها وفق منطق أساسه الصدق والتطابق مما يجعل منه محكيا يعتمد الوثيقة والشهادة ويستبعد التخييل، لأنه يندرج ضمن نمط أدبي مرجعي يدعي قول كل شيء والتزام الدقة المتناهية والشفافية التامة في الوصف والحكي معا إلى درجة الاكتفاء بسطحية الحدث والوقوف عند رتابة اليومي. د. الخريجي يستعرض ابرز المواقف في حياته هذا مما استهل به د. الخريجي محاضرته « ما لم تقله الوظيفة «التي احتضنتها وزارة الخارجية، وقدمها مدير إدارة الدراسات الدكتور احمد بن غرم الله الحمراني.. وقد بدأ الضيف عفوياً في سرده، بعيداً عن أي تكلّف أو سعي لمحاولة إخفاء ما قد يعتري السيرة الذاتية من نقائص أو سعي لمحو الآثام او المثالب كما يعمد البعض. وأكد د. الخريجي في مستهل محاضرته أن أهمية السيرة تنطلق من مبدأ الاعتراف والمكاشفة والبوح، من خلال إسقاط الأقنعة والسرد العفوي البعيد عن المبالغة او تمجيد الذات.. وبعد سرد لتاريخ حياته التي بدأها من ولادته في مدينة اسمها القريتين في سورية، لكون والدته سورية، فيما كان والده من القصيم.. استعرض بعدها أهم مراحل حياته التي تجاوزت نصف قرن من الكفاح والعمل المشوب بالمنغصات والنصب والبحث عن الذات وعن لقمة العيش، حيث يعتبر الخريجي نفسه من الجيل الذي عرف الفقر وشظف العيش والبيوت القديمة التقليدية التي كانت تضاء بالفوانيس والسرج، ذلك الجيل الذي قال عنه إنه سار في شوارع ترابية ضيقة غير مضاءة واقتصر في قوته على طعام قلما زاد عن خبز يطرى ببعض الإدام المتواضع، إلى أن جاء عهد الرخاء، وبدل الله فيه الحال بحال أفضل. الأمير محمد بن سعود بن خالد ود. نزار عبيد في مقدمة الحضور ومضى المحاضر في سرد مسيرة كفاحه الحياتية مشيراً إلى أنه لم يسلك في حديثه المقارنة بين جيلين أو عصرين، بل أراد أن يسجل بعض لمحات من حياة إنسان عاش زمنين متباينين أشد التباين، زمن كان الناس فيه يعيشون حياة متقاربة متكررة يتوارثها الأبناء عن الآباء.. وزمن آخر غلبت عليه سرعة التغيير والتقلب وتتابعت فيه الصفحات في كل مجال من مجالاته الفكرية والاجتماعية والصناعية وغيرها. بعد ذلك انتقل المحاضر إلى قضية الكتاب وما يواجهه من صعوبة سواء في النشر أو في التوزيع، معتبراً نفسه كاتب الكتاب الواحد رغم إصداره لأكثر من كتاب.. مرجعاً ذلك إلى عدم انتشار كتبه ومقالاته، ما دعاه إلى إصدار كتاب آخر بعنوان»كلام جرايد» في إشارة منه إلى أن ما يكتب لا يعدو كونه كلاماً لا يلتفت اليه ولا يتابع، إلا أنه لم يخف سعادته من القبول الرائع لكتابه»ما لم تقله الوظيفة» والأصداء الإيجابية التي حققها بين أوساط كبار المثقفين والمسؤولين، ما جعله يسترد ثقته بما يكتب وبالكتاب ورواجه، معيدا ذلك القبول والرواج لكتابه الى الإلتزام بشيء من الصدق والصراحة البسيطة في سرد الأحداث.. مدللا على ذيوع كتابه وإحساس الآخرين بقيمته الفكرية، فيما رواه من انطباعات لكبار رجالات الدولة، وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض، الذي أعجب بالكتاب وقال عنه: إن هذا الكتاب لأبناء الوطن.. وهو قول شاطره فيه الراحل صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد – رحمه الله- الذي قال إنه من أجمل ما قرأ من الكتب، ولو كان له من الأمر شيء لوزعه على الجميع. أما عن المواقف التاريخية، والأخرى الطريفة، فقد استعرض د.الخريجي العديد من المواقف التي لم تخل من روح الظرافة والفكاهة في عدد من المواقف التي مر بها أثناء حياته العملية.. حيث تلا هذه المحطة من محاضرة د. الخريجي، جملة من المداخلات، التي جاء من أبرزها عدة مواقف ذكرها للملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله- والتي قال المحاضر عنها بانها مواقف كثيرة، لكنه أكد من خلال حديثه على أن الراحل كان دوماً عقب كل لقاء دولي أو مؤتمر، يأتي على ذكر قضية فلسطين، التي كانت تمثل شغله الشاغل، وكان حلمه الدائم أن تحرر، أو أن يصلي فيها.. حيث اختتمت المحاضرة بتقديم درع تذكاري للمحاضر.. حيث حضر اللقاء سمو وكيل وزارة الخارجية لشؤون المعلومات والتقنية السفير الأمير محمد بن سعود بن خالد، ووزير الدولة للشؤون الخارجية الدكتور نزار بن عبيد مدني، ووكيل وزارة الخارجية لشؤون المراسم السفير علاء الدين العسكري ووكيل وزارة الخارجية للشؤون القنصلية سعادة السفير محمد السلوم، وجمع من المسئولين وموظفي وموظفات وزارة الخارجية .