كم سيذهب من ضحية عربية، أو ذهب في اليمن وسوريا وليبيا؟ وبفقدان العنصر المحايد الذي يسجل أعداد الموتى الأبرياء وبإحصاءات دقيقة سوف تأخذ الأرقام المبالغة، أو تكذيب السلطات لها، وليبيا حسب ما يتسرب من بيانات، هي الأكثر دموية، سواء من قبل القذافي وقواته، أو ضربات حلف الأطلسي.. صراع الكراسي عقدة الحكومات العربية الانقلابية، فكل ما حول أمنها يتضخم، المباحث والاستخبارات والمليشيات المعدة للطوارئ، وحتى بناء الجيوش تدخل فيه القرابة والطائفة والمحسوبية أي أنه لا يعد للدفاع عن الوطن، بل عن السلطة، ولذلك ارتاحت إسرائيل، ولم ينعم قادة التسلط بالنوم المريح! لا يوجد بلد واجه أشرس الحروب المدمرة مثل فيتنام، فقد قسمت إلى شمال شيوعي وجنوب غربي في عهد الاستعمار، وقد حاربت فرنسا واليابان ثم أمريكا، واستطاعت هزيمة الجميع ببسالة شعبها، وفي هذا المشوار الطويل، لا نجد انقساماً داخلياً بين فصائل الشعب الذين لديهم الكثير من التباينات، بل ان تلك الذكريات، حُسمت بفكرة أنها جزء من صراعات الماضي، وكان أول المبادرات دعوات الشركات الأمريكية، واليابانية، والفرنسية الاستثمار في هذا البلد الخارج من أكبر المحارق، والسبب أن الوعي التاريخي بالمصلحة القومية فوق تبني فكرة القارات والعداء، وهي الآن تصنف من الدول القادمة في نهضتها بين الدول الآسيوية المتقدمة.. الزعيم (مانديلا) وبعد أن خرج من السجن وجلس على كرسي الرئاسة لجنوب افريقيا، أول فعل قام به أن ذهب لسجانيه يصافحهم ويعفو عنهم ويعطيهم حق الأمان والمواطنة، فجاؤوا اضافة جديدة في الاقتصاد والتنوع البشري، والإبقاء على السلام الوطني بأهم تجربة في دولة عانت الفصل العنصري بأشد حالاته التعسفية.. الوضع العربي لم يسجل أي تسامح في مواقفه الصعبة ليتجاوز ذاته لمصالح أهم، فقد نشأت تحالفات بين دول وأحزاب ومنظمات، لكن أهدافها تتجه لضرب أو مقاطعة الجانب العربي الآخر، وأقرب الوقائع الحالة الفلسطينية الراهنة التي مزقتها الخلافات ووضعتها في القائمة الخاسرة، المناسبة في هذا الطرح تضعنا أمام تساؤل دائم، هل ثقافة الفرقة والثارات جاءتا من طبيعة مكوننا التاريخي في ثقافة القبيلة، أم أننا نسيج لا يقبل الوحدة، وهو ما تستطيع تعميمه على نُخبه وأُمييه؟ حالياً نشأت - في ظل الثورات العربية - العديد من عناصر المعارضة في الداخل والخارج، والغريب أنه في اللحظة التي كان عليها تناسي خلافاتها وتنوعها الديني والقومي والطائفي، تطل نفس الأفكار التي عايشناها في العقود الماضية، تتكرر حين يتحالف البعثيون والقوميون ضد الشيوعيين، لكن سريعاً ما تنقلب الطاولة ويتحارب الحلفاء مع بعضهم، ولعل بروز التيار الديني السياسي أضاف للعملية عمقاً آخر للخلافات، ليس لأن الدين الإسلامي له هذه الخصائص، وإنما للدور السياسي الذي يريد أن يلعبه قادته.. وحتى تصل المعارضة إلى عقلية الوحدة الوطنية في ظل حريات عامة، علينا أن نتلقى الدروس من مبادئ الزعيم الجنوب افريقي ومن التجربة الفيتنامية حتى نقف على نفس المنصة بوحدة الشعب وقادته..