أن حالة التعجب التي شعر بها الجميع هي في تباين موقف الجامعة بين الثورتين الليبية والسورية، رغم أن المجازر التي ترتكب في سوريا أكثر شراسة وبشاعة كون الثورة السورية كانت ولا زالت سلمية في حين أن النظام الليبي حارب شعبه المسلح بطبيعته موقف الجامعة العربية الأخير مما يحدث في سوريا أثار كثيرا من الإحباط وخيبة الأمل لدى أحرار الشعب السوري الذين كسروا جدار الخوف، وما انفكوا يسطرون ملحمة وطنية فريدة في الثبات والصبر والإصرار رغم التكلفة الباهظة التي يدفعونها يوميا وصلت لتتجاوز ثلاثة آلاف شهيد ناهيك عن الجرحى والمعتقلين الذين يقدرون بالآلاف. رآه البعض موقفا باهتا لا يليق بمبادئها وميثاقها لاسيما في تواصل الحراك الشعبي الثوري طيلة الستة شهور الماضية، رغم المواجهة العنيفة واستباحة القتل من قبل النظام. كان من المتوقع أن ترقى قرارات الجامعة لمستوى آمال الشعوب العربية وذلك بتطبيق عقوبات حازمة وسحب السفراء وتجميد عضوية سوريا في الجامعة حتى يستجيب النظام لمطالب شعبه. كنا نأمل من القادة العرب أن يتخذوا موقفا صريحا كالذي اتخذه خادم الحرمين الشريفين الذي طالب دمشق بإيقاف آلة القتل وان ما يحدث فيها لا يمكن القبول به، فضلا عن قراره بسحب السفير السعودي. غير أن المضحك المبكي هو ما جاء في رد النظام السوري على بيان الجامعة من رفضه للبيان والمبادرة، واعتباره موقفا عدائيا، ما أوقع الجامعة في موقف محرج ومخجل في آن واحد. على أن حالة التعجب التي شعر بها الجميع هي في تباين موقف الجامعة بين الثورتين الليبية والسورية، رغم أن المجازر التي ترتكب في سوريا أكثر شراسة وبشاعة كون الثورة السورية كانت ولا زالت سلمية في حين أن النظام الليبي حارب شعبه المسلح بطبيعته ما اضطره ليدافع عن نفسه لتصبح المواجهة مسلحة. وعلى النقيض من موقف الجامعة، خرج الأمين العام للأمم المتحدة بالأمس مطالبا بالقيام بعمل دولي موحد ضد النظام السوري كون الأسد لا يفي بوعوده. على أن هذا التباطؤ أو التلكؤ العربي هو للأسف خذلان للشعب السوري الحر، حيث لا يوجد له من تفسير منطقي يبرر حدوثه، إلا اللهم إن كان العرب لا يصدقون فعلا بأن هناك جرائم تُرتكب بحق أبرياء بشكل يومي؟ وهل المناشدات والنداءات وإيفاد لجنة لتقصي الحقائق بعد كل ما رأيناه وشاهدناه على الأرض من مجازر جماعية وأساليب إهانة وترويع وإذلال، كافية لإيقاف آلة القتل، أم أن الجامعة العربية وبتفضل منها أعطت النظام السوري فرصة وشرعية بقاء لمدة ثلاث سنوات لكي يوغل في جرائمه التي يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان. هناك من يرى أن ثمة ضغوطا مورست على الدول العربية في عدم التسرع بإعلان القطيعة مع النظام، في حين أن البعض يرى أن الغرب ما زال مترددا لعدم وجود بديل من جهة، وخشيته من انتماءات الثوار السوريين من جهة أخرى، خصوصا في عدم وجود رؤية مشتركة لقوى المعارضة وانقساماتها التي طفت على السطح. ويبدو أن دول الغرب كانت ولا زالت قلقة ومتوجسة من هذه التغيرات الدراماتيكية والتي لم تتنبأ بها أو تتوقعها، ومع ذلك تجد نفسها مضطرة لان تتعامل معها لاسيما وهي لا تنفك تدعي تمسكها بشعارات الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، ومع ذلك فخشيتها تكمن في أن تخطف الجماعات والقوى السياسية المعادية للغرب هذه الثورة عن طريق الانتخابات الديمقراطية فضلا عن الضغوط الإسرائيلية على الولاياتالمتحدة في أفضلية بقاء النظام الحالي الذي يوفر لإسرائيل أمنا واستقرارا على هضبة الجولان كرسها عبر العقود الماضية وبامتياز. كانت الانقلابات العسكرية والتصفيات الدموية والمؤامرات المنظمة، هي العنوان البارز في السياسية السورية في النصف الثاني من القرن الفائت. ولذا تميزت العقلية السياسية آنذاك برفضها للحوار، ونزوعها للتسلط والتوجس من كل شيء يمس نظامها ومصالحها. مناخ ما بعد الاستعمار الذي كرسه النظام العسكري الأوتوقراطي، انعكس بطبيعة الحال على الإنسان السوري الذي عانى الويل والعذاب من جراء الأسلوب القمعي والبوليسي والاستخباراتي الذي مارسته الانقلابات الفائتة وإن كان نظام الأسد أكثر من أجاد تطبيقها. غير أن المراقب لكيفية تعاطي النظام السوري مع الأحداث الراهنة، يلحظ انه ونتيجة للضغوط الخارجية لا يفتأ أن يعلن عن استعداده للشروع في الإصلاح، فيبدأ في المماطلة والتسويف والرهان على الوقت، لتكتشف لاحقا أن الإصلاح ما هو إلا كذبة يسوقها النظام، لأنه لا يعني في ذهنه سوى الرضوخ والضعف والإذعان، رغم يقينه بوجود انسداد سياسي واقتصادي وحالة من الضيق الشعبي وخنق لحرية التعبير والحركة. غير أن المثير يكمن في هروب النظام إلى الأمام وذلك ما يطرحه من لغة اقصائية وتبريرات وفبركات كوصف الثوار بأنهم عصابات مسلحة ومندسة لكي يسوغ ارتكابه للجرائم الجماعية. ولذا حقيقة عندما تقرأ «طبائع الاستبداد»، لعبدالرحمن الكواكبي، تلمس بأن صورتها تتكرر مشاهدها اليوم في سوريا، فكان محقاً في قوله أن «الاستبداد مفسدة للأخلاق، ويسوق إلى الحقد، ويضعف حب الوطن وتمرض به العقول، ويختل الشعور، وتتأثر الأجسام وتصيبها الأسقام، فالاستبداد يهدم ما تبنيه التربية، ويلجئ النفوس إلى الرياء والكذب والنفاق فتروج في ظله، والاستبداد لذلك عدو الترقي، ويسير بالشعوب إلى الانحطاط، والتأخر». نعم.. جاءت الانتفاضة السورية لتلجم الاستبداد، ولتعبر عن توقها للكرامة والحرية، فتحركت سلميا للمناداة بمطالبها، ولعل المثير للشفقة هو ما تقدمه دمشق من أسباب لتلك الأحداث، حيث عادة ما تعزو حدوثها إلى السبب الخارجي أياً كان مصدره، وبدلاً من الشفافية والاعتراف بالخطأ، تجدها تكرس الرفض، والمكابرة، واستسهال خطورة الأحداث الجارية. صفوة القول، أن هناك من يرى أن التحديات الراهنة والاستحقاقات في العالم العربي تتطلب جهدا كبيرا لمواجهتها، وهو ما وعد به بعض الزعماء العرب في مناسبات سابقة، اعترافاً منهم لما آل إليه وضع بلدانهم، إلا أنهم لم يلتزموا بذلك، فكانت النتيجة ثورات شعبية. ومع ذلك ومن باب الإنصاف، نقول إن فاعلية الجامعة العربية، لا ترتبط بالضرورة بدور الأمانة العامة بقدر ما أن المحصلة مرهونة برغبة الدول الأعضاء في الخروج بقرارات تتوافق مع القيم والأخلاق وحقوق الإنسان، وتردم الفجوة ما بين قراراتها وطموحات شعوبها، فالتباطؤ وعدم التحرك وخذلان شعب عربي اعزل هو وصمة خزي ونكوص وجريمة لا تُغتفر إن أردنا الحقيقة، فيا تُرى ما هم فاعلون؟!