قبل عشرين عاما تقريبا اقترح أحد رؤساء التحرير في إحدى الصحف أن يركب مايكروفونات عند اشارات المرور. يبث فيها مواعظ وخطب وفتاوى تبصر الناس بأمور دينهم، فالناس كما يقول الكاتب تضيع دقائق ثمينة (يابانيين على باله) عند الإشارات يتوجب الاستفادة منها وتوظيفها في الدعوة. ربما كنت الوحيد في العالم الذي اكتشف العبقرية المتخفية في هذا الاقتراح. من شدة إعجابي برأي سعادة التحرير بعثت رسالة للجريدة ضمنتها ثنائي ودعمي للمشروع مع بعض الإضافات التي كانت ستسهم في تطوير الفكرة. كما لا يخفى عليكم الأفكار العبقرية تنطلق من عقل واحد ثم تتطور بتعاون العقول المختلفة إلى أن تصبح واقعا يخدم البشرية جمعاء. كانت إضافتي على المشروع بدلا أن يكون الصوت سائبا ومبعثرا في الهواء وخاصة في الصيف عندما تكون نوافذ السيارات مغلقة، رأيت أن نضع خراطيش صوتية بفوهات صغيرة يحملها عدد من شباب الصحوة (وما أكثرهم في ذلك الزمن). عندما تكون الإشارة حمراء يسارع شباب الصحوة ويمدون الخراطيش للسائقين من فتحة صغيرة مع النافذة مثل إفطار صائم في أيامنا هذه، أو أن نطلب من مصنعي السيارات وضع فتحات صغيرة ضمن المواصفات السعودية يشبك فيها الخرطوش ويبث الصوت إلى داخل السيارة. تكون هذه الخراطيش منوعة ومحددة بألوان. حسب طلب السائق. إذا كان يريد خرطوش فتاوى يطلب الأحمر وإذا كان يريد موعظة خفيفة على الطاير يطلب خرطوشا أخضر وإذا كان السائق مشتهي خطبة يطلب الخرطوش الأصفر. لتسهيل العملية اقترحت أن يلبس شباب الصحوة شمغا بألوان الخراطيش التي يحملونها. مع الأسف لم ينشر اقتراحي ولم ينفذ المشروع. المحزن في الأمر أن تلك الأفكار العبقرية خفتت. لم نعد نراها بالكمية التي كانت عليه في ذلك الزمن، بيد أن تراجع الأفكار الإبداعية لم يصحبه ولله الحمد أي تراجع في إنتاج الفتاوى الإبداعية. مؤخرا أعجبتني فتوى الداعية الكويتية التي تحرم فيها جلوس المرأة على الكرسي أو الكنبة. الجلوس على الكرسي حسب رأيها يجعل المرأة في حالة ارتخاء ويشجع الرجال وخاصة رجال الجن على الاعتداء جنسيا عليها. إذا أخذنا هذه الفتوى في سياقها الواسع سنجدها تتكامل مع فتوى الشيخ محمد العريفي بتحريم اختلاء الرجل بابنته. لا يجوز للبنت أن تجلس مع أبيها وحدهما. لا يجيز الشيخ للفتاة أن تجلس مع أبيها إلا إذا كانت بصحبة أمها أو أختها إلى أن ييسر الله لها وتتزوج. بهذه الفتوى العظيمة ألغيت فكرة المحرم من جذورها. الأب لم يعد محرما لبنته. قريبا سوف نسمع من يأتي ويحرم على الزوج الاختلاء بزوجته فتحقق توقعات كثير من الناس. أن تقسم البلد إلى قسمين: قسم للرجال وقسم للنساء وأن يتم التزاوج بينهما بالتلقيح الصناعي. أما الفتوى التي تستحق جائزة الأوسكار فهي فتوى أكل لحوم الديناصورات. يطرح السائل قضية مهمة جدا على المستويين الأحفوري واللحومي. هل يجوز أكل لحوم الديناصورات؟ لن أخبركم بالإجابة. سأترككم مع السؤال؟ الفتوى تحتاج إلى خيال يستطيع أن يشم رائحة الشواء قبل خمسين مليون سنة.