قبل عقد من الزمن، جاءت هجمات 11 سبتمبر، كجريمة بشعة ودنيئة كشفت إلى أي مدى يمكن أن يصل الإنسان في جنونه وأمراضه النفسية وحماقاته وحقده. هذا السلوك الإجرامي الذي لم يخطر على بال أحد، دفع بالولاياتالمتحدة إلى مواجهة ما أسمته حينها بالإرهاب، ومن دون الرجوع للمجتمع الدولي، فبدأ الحدث وكأنه أصاب الأميركيين بحالة من الهستيريا والخوف والقلق. جاء رد الفعل الأميركي آنذاك مرتبكا وهائجا ومتسرعا، وإن كان الحادث بفاجعته ونتائجه الفادحة في الأرواح يفسر ذلك الاندفاع. كان من الطبيعي أن تنفرد الولاياتالمتحدة بضرب هذه الدولة أو تلك بدعوى محاربة الإرهاب، ولم تكن تكترث كثيرا آنذاك بالدعم الأوروبي أو حتى بالغطاء الشرعي الدولي، فما لبثت أن أنجزت أعمالها بنفسها، ضاربة عرض الحائط ضرورة احترام المعاهدات الدولية أو محاولة إصدار معاهدة لمكافحة الإرهاب تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء، لأنه لم تعد هناك دولة محصنة ضد الإرهاب. وأيقنت الإدارة الأميركية وقتها أن شعبها عادة ما يكون أول ضحايا سياستها مع رفضنا القاطع لكل أساليب العنف ومسوغاته وتبريراته. ومن يقرأ التاريخ، يصل إلى حال من القناعة بأن ثمة أخطاء ارتكبها البيت الأبيض، ودفع ثمنها الشعب الأميركي، فضلًا عن انحيازها الفج لإسرائيل وعدم حماستها لحل الصراع العربي - الإسرائيلي الذي يُعد في تقديري الشرارة التي تعزز الكراهية للغرب. تأتي الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر، والقاعدة والولاياتالمتحدة الأميركية لازالتا حاضرتين في الساحة صراعا وجدلا ومواجهة. وإن كان ابن لادن قد قتل وأصبح العالم أكثر أمانا، إلا أن فكر القاعدة مازال موجودا رغم مجيء الربيع العربي الذي وجّه صفعة قوية للقاعدة وبعثر أوراقها برسالة مضمونها أن استخدام العنف لا يحقق بالضرورة التغيير السياسي. تأتي الذكرى العاشرة لأحداث 11 سبتمبر، والقاعدة والولاياتالمتحدة الأميركية لازالتا حاضرتين في الساحة صراعا وجدلا ومواجهة. وإن كان ابن لادن قد قتل وأصبح العالم أكثر أمانا، إلا أن فكر القاعدة مازال موجودا رغم مجيء الربيع العربي الذي وجّه صفعة قوية للقاعدة وبعثر أوراقها لقد لعب الطرفان دورا بارزا في إفراز الأحداث الفائتة وما تمخض عنها من مواقف، وما آلت إليه من تحولات ومتغيرات، يوقن أن ثمة أسبابا نفسية واجتماعية وراء وقوعها، وإن كان الظاهر للعيان أن خلفها أسباباً أيديولوجية وعقدية، إلا انه بسبر أغوارها تجد أن المسألة أعقد من هذا بكثير، فالأمر يتعلق بصدام فكري حضاري عميق بين الطرفين رغم أن القاعدة لا تمثل حقيقة الإسلام المعتدل، ولا تعكس الرأي السائد في العالم الإسلامي، وهو ما جعل اوباما يؤكد بالأمس من أن حربهم على الإرهاب لا تعني أنهم يستهدفون الإسلام وإنما يحاربون فكر القاعدة المتطرف. ولكي نمضي إلى المزيد من المقاربة ، وبقراءة تاريخية نرى أنهما كانا وجهان لعملة واحدة ، فحين العودة لتأمل السياسة الأيديولوجية والمستندة إلى القوة والهيمنة التي فرضتها مجموعة المحافظين الجدد آنذاك على الإدارة الأميركية السابقة، تشعر جازما في أنها أدت إلى تصاعد الكراهية للولايات المتحدة . أما القاعدة (كفكر ونهج) حين تحليلها معرفيا، نجد أنها تنطلق من أرضية الرفض، فالعقلية هنا لا تتجاوب مع الجديد، ولايمكن لها أن تتكيف وتتعايش معه، وما عليها سوى المواجهة بكافة الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة، فهي حالة انغلاقية، وتتمسك بفترة ماضوية مختزلة في الذهن، برغم أن واقع الحال من ظروف ومتغيرات يرى غير ذلك. على أن تطرف السلوك من الطرفين كان القاسم المشترك بينهما. نتذكر ردة الفعل الأميركية (الأحادية)، التي جاءت لتحاكي في سلوكها الفعل ذاته (الذي جاءت به القاعدة)، فالاعتقالات التعسفية حينذاك، وعدم الاكتراث بقانون الحماية المدنية، وتجاهل مفهوم حقوق الإنسان، سلوكيات طغت على السطح في فترة لا تتجاوز الأسبوع الأول بعد الهجوم الدامي. هذا كان على المستوى الداخلي، في حين أن النهج الذي سلكته الإدارة الأميركية في التعامل مع الحدث خارجيا لم يبتعد كثيرا عن طبيعة تعاملها الداخلي، فاللغة كانت فوقية وتضمنت الكثير من الغطرسة والتفرد بالرأي، ومصطلحات ومفاهيم جاءت مع مجيء الإدارة الأميركية السابقة، وتزامنت مع حربها على الإرهاب، وإلا ماذا يعني (إن لم تكن معنا، فأنت مع الإرهاب)، (ومحور الشر ومحور الخير)... الخ؟ من هنا، نرى أن عقلية تنظيم القاعدة لا تختلف عن عقلية الإدارة الأميركية السابقة، فكلتاهما ترفض الواقع ولا تتعامل معه كما هو كائن، بل كلتاهما تصوره كما تريده أن يكون، فالقاعدة تريد أن تستعيد وضع يتعذر استرداده وتحقيقه، وأميركا تريد أن تفرض وضعاً يصعب استمراريته، فكلتاهما لا تعير اهتماما للمعطيات والظروف المحيطة، وبالتالي سقطت القاعدة كتنظيم وإن بقيت كعناصر ومؤدلجين، أما أميركا فقد وصلت آنذاك إلى الحضيض ، سمعة ومكانة، وتعمقت الكراهية لها بدرجة غير مسبوقة بسبب أفعالها في أفغانستان والعراق. أميركا لا تعرف إلا لغة القوة، ولعل تعاطيها مع الملف فضح جانبا من السيكيولوجية الأميركية لدى الإدارة السابقة خصوصا في مسألة (رد الفعل) حينما تتعرض لهزة أو لخطر أو حتى لنقد لسياستها. والسؤال المطروح يدور حول مدى جدية إدارة اوباما وقدرتها على استيعاب الدرس، فلا تكرر أخطاء إدارة بوش الابن وتستعيد مكانتها وقيمها التي اختفت في تلك المرحلة، لأن رغبة الجميع هي امن واستقرار العالم وهذا يقتضي سياسة متوازنة وعادلة من قبل الولاياتالمتحدة . أما إذا لم يتغير الدور الأميركي في المدى المنظور، فإن المحصلة خلق أجواء بعدم الاستقرار وتعزيز لظاهرة الإرهاب وإضعاف لدور دول الاعتدال وإعطاء ذريعة لأصوات التشدد باستغلال ذلك المناخ في تهييج الشعوب وتعزيز الكراهية للغرب، وتكريس مفهوم الصراع الحضاري. صحيح أن الجميع ضد الإرهاب، ولكن الخلاف كما يبدو، يكمن في إيجاد آلية لمكافحة هذا الوباء، والمؤمل أن تنزع الولاياتالمتحدة عنها خطابات التسييد والهيمنة، والتحرك ضمن النسيج العالمي، على قاعدة الاحترام المتبادل، والتعاون والتعايش الثقافي. ولئن كان اوباما قد اوجد حالة من الرضا في العالمين العربي والإسلامي، وساهم في تخفيف التوتر والكراهية، إلا أن مساحة التفاؤل قد ضاقت بسبب عدم ترجمة أقواله على الأرض، فهو نجح في ردم فجوة كانت كبيرة، إلا انه لم يشرع بالبناء بعد، ما يعني أن المهمة غير يسيرة المنال، وإن كانت غير مستحيلة بطبيعة الحال..