** عندما يفتقر السياسي إلى الحس الإعلامي (الواعي) فإنه يرتكب (حماقات) شديدة الغباء .. ويظهر أمام الناس بصورة مضحكة.. ومحيَّرة.. ** والناس بطبيعتها تخلط بين ما هو إعلامي.. وما هو سياسي.. وقد يبلغ هذا الخلط مداه حين يعتقد (السياسي) بأنه الأقدر على رؤية الأِشياء.. والحكم على الأمور.. واتخاذ القرار المناسب.. دون النظر إلى انعكاساته على شعبه.. أو أمته.. أو عالمه وكذلك على نظامه.. وعلى نفسه أيضاً.. ** ولو أدرك بعض الساسة.. أن الإعلامي يمكن أن يكون سياسياً.. غير أن السياسي ليس شرطاً أن يكون إعلامياً حاذقاً.. لو أدركوا هذه الحقيقة واعترفوا بها.. لتجنبوا الكثير من الأخطاء.. ولما تسببوا في توسيع الفجوة بينهم وبين شعوبهم من جهة.. وربما بينهم وبين دول أخرى في منطقتهم أو في أي مكان من هذا العالم.. ** والكثير من الأزمات التي تنشأ بين الأنظمة والشعوب.. أو بين الدول مع بعضها البعض.. الكثير من تلك الأزمات السياسية.. أو الأمنية.. يقع بسبب جهل السياسي بأبسط قواعد التعامل مع اللعبة الإعلامية الذكية.. ** كما أن كثيراً من الخسائر الاقتصادية التي تلحق بالدول .. هي نتيجة أخطاء الساسة.. وعدم قدرتهم على فهم مبادئ العلاقات العامة بين الدول أو أسس التعامل مع الشعوب.. ما يؤدي في بعض الأحيان إلى اتخاذ قرارات مكلفة ، كان يمكن تجنب آثارها على الاقتصاد المحلي أو السلم الاجتماعي.. لو أن البعد الإعلامي قد توفر فيها .. أو سبقها.. ** ولو أردتُ التدليل على فشل كثير من الدول سياسياً.. وتعرضها لكثير من الأخطار الأمنية.. بسبب تصرفات تنقصها الحنكة الإعلامية ومعرفة ردود الفعل المسبقة لدى الأطراف الأخرى.. فإنني سأجد مئات الحالات التي تسبب فيها الساسة بنشوب حروب مدمرة مع سواهم أو مع شعوبهم.. كان يمكن تفاديها.. لو أن العملية السياسية تمت بحصافة.. وبدهاءٍ إعلامي كافٍ.. ** ولماذا نذهب بعيداً.. ** ولماذا نقلَّب صفحات التاريخ البعيد ؟! ** لقد أعطانا العقيد (معمر القذافي) أوضح صورة.. لغباء السياسي وجهله بأبسط قواعد اللعبة (السيا إعلامية).. عندما ظهر على الشاشة ومن خلال الصحف والمجلات وهو منغمس في لعبة شطرنج مسلية مع رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج الروسي (كيرسان إيليو مجينوف) في وقت كانت جثث أبناء الشعب الليبي تملأ المدن.. والشوارع.. والطرقات في (أجدابيا.. ومصراطة .. والزانتان وغيرها.. على يد كتائبه .. ومرتزقته).. في الوقت الذي كانت فيه طائرات (حلف الناتو) تصب حمماً من القنابل على منطقة تواجده المحصنة تحت الأرض (في طرابلس) .. وفي الوقت الذي كانت دول العالم تطالبه بالرحيل.. وإيقاف مجازره (المخزية) ضد شعبه.. ** فعل هذا القذافي .. لأنه أراد ومن وجهة نظر (سياسية) حمقاء .. أن يقول للشعب الليبي.. أنا لست قلقاً.. مما يحدث.. وإن نظامي مستقر.. ومستمر.. ** كما أراد أن يقول لدول العالم.. ودول حلف الناتو في مقدمتها.. إن ليبيا لا تستطيع الحياة بدونه.. وإنه لن يترك موقعه في يوم من الأيام وان حساباتهم خاطئة.. وان عليهم أن يتركوه وبلده وشأنهم.. ** فعل هذا القذافي .. بكل صفاقة.. ودون أن يفكر في الأبعاد النفسية.. والأخلاقية التي تنطوي عليها رسائله الإعلامية الغبية سواء تلك الموجهة إلى شعبه المنكوب بوجوده.. وتصرفاته الجنونية على مدى (42) عاماً.. أو إلى دول العالم وهيئاته ومنظماته التي تعرفه جيداً.. ولا تستغرب منه هذا السلوك (العبثي).. ** ولو أدرك (القذافي) أن الرسالة التي وصلت إلى الشعب الليبي (أولاً) ثم إلى شعوب العالم الأخرى (ثانياً) كانت ضده.. وليست في صالحه.. لو أدرك ذلك لما (رتّب) لهذا المشهد المتمادي في (السادية) و(الجهل) و(الاستهتار) بأرواح الشعب الليبي وباستحقاقات البلد المنكوب بحماقاته.. ** ذلك أن الرسالة التي أعطتها الصورة عن (القذافي) و(صديقه) الروسي وأمثاله.. هي : أن الشعوب لديهم.. لا تستحق لحظة اهتمام.. وأن التفكير في مصائر (الأبرياء) من أبناء الشعب الليبي الذين تقتلهم (ميلشياته) صباح مساء.. ليس وارداً بالنسبة له.. وأنه مطمئن النفس.. والبال.. والضمير.. إلى الحد الذي واصل حياته الطبيعية العبثية كما يحلو له .. وكما هي لياليه الحمراء.. وأيامه الغارقة في مختلف ألوان العبث والمجون.. وليذهب كل الشعب الليبي إلى الجحيم (تصوروا "!!") ** تُرى .. هل فكر (القذافي ) في هذه الأمور..؟ ** أو هل تعاطى مستشاروه السياسيون .. أو الإعلاميون.. مع الموقف بمسؤولية.. أو أنهم لا يملكون سوى التنفيذ.. ومجاراة (العقيد) في آرائه وعدم الاعتراض على أي من تصرفاته حتى وإن كانت ضده..؟ ** إن مشكلة السياسي الذي يتلبسه الشعور بالعظمة، وتهيمن على أحاسيسه مشاعر (الغطرسة) والخيلاء .. هي أنه يتصرف كالطاووس المعجب بنفسه.. وبمواقفه.. وآرائه.. وتصرفاته .. وبالتالي فإنه لايصبح مستعداً لسماع غير صوت نفسه.. ولا رؤية غير صورته.. ولا إعجاب إلا بما يفعل.. ويأتي من أعمال.. وذلك هي حال (القذافي).. وكثيرين معه أمثاله.. ** ولعلي مازلت أتذكر ذلك المشهد الذي رأيته بأم عيني.. وقد قُدر لي أن أحضر مؤتمر قمة عربي في الجزائر وأظنه في عام (1988م) مرافقاً لسمو الأمير فهد بن عبدالعزيز.. آنذاك.. ** فقد كان القذافي ينزل بالدرج العادي من قاعة الاجتماع إلى الدور الأرضي.. وكانت تحيط به مجموعة من حرسه النسائي ويتقدمه أحد الشباب الليبي بخطوات.. وفجأة جذب القذافي الشاب من كتفه.. وصفعه بقوة.. وهو يصرخ في وجهه (لماذا تتقدمني يا كلب)؟! ** فسقط الحارس الليبي المهذب وراح يقبل يديْ العقيد، ويعتذر بشدة.. فما كان منه إلا أن ركله بقدمه اليمنى.. ونحن نتابع المشهد.. وعلى مقربة منا العديد من الزعماء أيضاً.. ** فهل تستغربون إذاً.. كيف يظهر القذافي أمام العالم وهو يلعب الشطرنج وشعبه يُذبح .. ويُهان.. وبلده يُدمر.. أمام عينيه ولا شيء يحرك ضميره أو وجدانه أو آدميته؟! *** ضمير مستتر: **(عندما يفتقد الإنسان نعمة البصر والبصيرة.. فإنه يتصرف كما تتصرف مخلوقات الله السائبة في الأرض).