وفي غرف وصالات الانتظار حكايات كثيرة، فكل ما يمكنك فعله عندما تجد نفسك محشورا في مساحة صغيرة مع جماعة من الناس لمدة قد تطول هو أن تتسلى بمراقبتهم، وأحيانا لا تحتاج لاختلاس المراقبة أو التصنت فأصواتهم المرتفعة تجبرك على سماع أدق تفاصيلهم حتى وإن دفنت وجهك في صفحات مجلة قديمة محاولا تجاهلهم، أو قراءة النشرات التوعوية الصحية الموجودة في المستشفيات وتوابعها أو نظرت إلى السقف في محاولة لمعرفة عدد الشقوق التي فيه، فإنك ستسمع متى أخذت أم محمد آخر إشاعة، ولماذا طلب أبو محمد تغيير الدكتور؟ وما هو التشخيص الدقيق لحالة سلمى؟ ولماذا تكره الموجودات تلك الممرضة ذات الصوت العالي؟ وبين أخبار المريضات وصراخ الممرضة التي تنادي قائلة «تعالي قرفة طبيب مدام» والتي تترجم الى «يمكنك الذهاب لغرفة الطبيب أيتها السيدة الفاضلة» تجد تسليتك التي تنسيك المطالعة في الساعة متسائلا عن سبب تأخر دخولك على الطبيب؟ وفي غرفة الانتظار الصغيرة كانت ثلاث سيدات من جنسيات مختلفة إحداهن تقرأ في النشرات التوعوية المنثورة هنا وهناك باهتمام، والأخرى مشغولة بهاتفها الجوال تتحدث عن آخر أخبار الأسهم والثالثة تصرخ في وجه الصغيرة «مها» حيث تأمرها في لحظة بالذهاب إلى أبيها الذي يعيدها لأمها لأنه مشغول بالحديث مع صديق قابله صدفة وفي لحظة أخرى تأمرها بأن لا تمسك عينيها بيدها الوسخة وفي مرة ثالثة تمسك بها من شعرها وهي تؤنبها لأنها لم تسمع ما قالته، ومها ذات الثلاث سنوات لا تعرف ماذا تريد أمها؟ ولا ما يريده أبوها اللذان يتقاذفانها مثل كرة «البينج بونج»، لكن يمكنني أن أقول إنها وفي أقل من نصف ساعة تعرضت لكمية كبيرة من الاهانات والضرب والشتم. مها وجدت ما يشغلها فقد أخذت تمسك بنشرات التوعية الصحية ذات الورق المصقول والمصفوفة بعناية على طاولة خاصة وترمي بها في الأرض لتحملها مرة اخرى وترمي بها في ركن قصي من الحجرة الصغيرة ثم تمسك بإحداها محاولة ان تقطع أوراقها إلى قطع صغيرة، والأم مشغولة عنها بالانتظار، إحدى السيدات التفتت نحو الأم وهي تحدثها بأدب قائلة: «لو أنك أحضرت معك لعبة لانشغلت بها الصغيرة بدلاً من أن تتلف هذه النشرات المهمة والمفيدة». كيف كانت ردة فعل الأم؟ وكيف استمر الحديث بين السيدتين؟ المتوقع في هذه الحالة هو ان تقوم الأم بمنع الطفلة من العبث بهذه النشرات وأن توضح لها بأن هذه الأشياء ليست للعب. لكن ما حدث هو ان الأم انتفضت غاضبة وهي تردد بأنها حرة وأن ابنتها حرة، أما الحديث فقد تحول لخناقة عربية أهان فيها كل شخص منهما الآخر وعيره بأصله وبلده، وهذا ليس بغريب «فخناقاتنا» العربية كما هي حواراتنا لها سمات مميزة. المضحك هو أن هذه الأم التي كان تشد شعر الصغيرة قبل قليل وتقرص أذنها وتشتمها وتصرخ في وجهها أخذت الصغيرة في حضنها وهي تعطيها المزيد من النشرات التوعوية الصحية وهي تشجعها على اللعب فيها قائلة: «أهم شيء يا مها يا حبيبتي هو أن لا ينكسر خاطرك» الأم انشغلت بعمل طيارات ورقية حتى تلعب بها الطفلة التي حتما تعاني من تشوش ذهني فهي لا تعرف لماذا تحولت امها فجأة الى كائن حنون؟ ما الذي تعلمته هذه الصغيرة؟ لم تتعلم شيئا وهنا المشكلة.