في الوقت الذي رفض فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاعتذار استبعد عدد من الخبراء في الشأن التركي أن يؤدي هذا التصعيد السياسي إلى مواجهة بحرية بين البلدين في ظل أنباء عن تلقي البحرية التركية أوامر في المناطق الشرقية من البحر المتوسط باليقظة. في نفس الوقت أشار المراقبون السياسيون إلى أن أنقرة ستضيق الخناق على تل أبيب بحرياً الأمر الذي سيعزز عزلة إسرائيل التي أغلق أمس الأول آخر منفذ ٍ «سياسي» لها في الشرق الأوسط بعد قطع كل موريتانيا وقطر (مكتب تجاري) علاقتها مع الكيان في وقت سابق وتوتر العلاقات أخيراً مع مصر إثر مقتل جنود مصريون على الحدود أدت إلى مطالبات شعبية بطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة. وقال ل» الرياض» الدكتور طالب كوشغان من المؤسسة التركية للدراسات السياسية والاقتصادية إن تركيا ستزيد من ضغوطها على إسرائيل حتى تعتذر وترفع الحظر. واضاف «ستسعى أنقرة إلى تعزيز عزلة إسرائيل في المنطقة وتشكيل ضغط عليها. وكما تعلمون كانت تركيا الدولة الوحيدة في المنطقة التي اعترفت بإسرائيل التي لا تحظى بالاعتراف بها كياناً في محيطها الاقليمي، كما ان تل ابيب بحاجة إلى دعم سياسي.. إسرائيل ليس لديها علاقات طيبة مع جيرانها المسلمين باستثناء تركيا». وقال كوشغان «من وجهة النظر العسكرية وكما تذكرون فإن الجنود الإسرائليين تلقوا تدريباً في تركيا وبدورها قامت إسرائيل بشيء من تحديث الآلة العسكرية التركية والآن بات بمقدور تركيا شراء ما تريده من سلاح ومعدات عسكرية حديثة من أي دول أخرى مما ينعكس سلباً على إسرائيل من الناحية الاقتصادية ويشكل ضغطاً عليها». مشيراً في هذا الجانب إلى أن حجم التبادل التجاري والاقتصادي بين تركيا وإسرائيل يبلغ 3,5 مليار دولار وغياب هذا التبادل التجاري يشكل خسارة لكلا الطرفين. وأكد كوشغان أنه بامكان تركيا تعويض تلك الخسارة لأن تعاملها التجاري لا يقتصر على إسرائيل وحدها بل لديها علاقات تجارية مع دول المنطقة الأخرى ولمنتجاتها اسواق في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كما أن لديها علاقات تجارية مع روسيا ودول الاتحاد الأوربي. وأضاف كوشغان «سوف تستغل تركيا علاقتها مع الدول والحكومات الإسلامية لتشديد الضغوط على الولاياتالمتحدة لتقوم بانتقاد إسرائيل وايضاً ستدعم تركيا طلب الفلسطينيين الاعتراف بدولتهم في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة القادمة. اعتقد أن هذه هي النقاط السياسية الرئيسية التي ستركز عليها تركيا». وحول إمكانية سقوط حكومة نتنياهو أوضح الدكتور كوشغان «أن الحكومة الاسرائيلية هشة وهي حكومة إئتلافية لا تحظى بالرضا في المجتمع الإسرائيلي الذين خرجوا بالأمس بالآلاف احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وهي كما ترى اضافة للضغوط الخارجية التي تواجهها مما ينذر بسقوط هذه الحكومة. ومن المرجح أن يكون لهذه الضغوط ما يكفي من القوة لاسقاط حكومة نتنياهو التي لا تحظى بتأييد المجتمع الدولي بسبب سياساتها الخارجية والداخلية». أما الدكتور محمد العادل مدير المركز التركي العربي للدراسات فقال «القرار لم يكن مفاجئاً في تركيا. لماذا؟ لأن مبادئ السياسة التركية لا يمكن ان تستند إلى الخيارات الأميركية أو الإسرائيلية أو إلى ضغوط أي طرف، بل تستند إلى المصالح التركية. وأضاف «تركيا أعطت الدبلوماسية الدولية فرصة لأن إسرائيل بدأت ترسل رسائل عن طريق أميركا، ومن الواضح أن الوساطات والتحرك الدبلوماسي وصلت إلى طريق مسدود. وبالتالي كما قال وزير الخارجية احمد داوود حان الوقت إلى أن تدفع إسرائيل ثمن أخطائها. وبالتالي اتخذت تركيا هذا القرار». وأكد الدكتور العادل «أن الخاسر الأكبر هو إسرائيل فهي تعيش عزلة ولا احد يثق بها ولا تتعاون أصلاً مع أي طرف من أطراف المنطقة وعزلتها ستزداد بسبب الثورات العربية ونجاحها في مصر وكذلك حالة الحراك في سوريا وفي ظل هذه الأوضاع تبقىّ لإسرائيل تركيا التي أغلقت منفذها مع إسرائيل وستعيش عزلة قاتلة في المنطقة والكرة في ملعبها وإذا لم تتحرك وترضي الأتراك وتعتذر وتدفع التعويضات فإن الأتراك سيلوحون بأوراق أخرى اعتقد أنها إقليمية لإحكام العزلة حيث ستتجه إلى دول إقليمية فاعلة. وبالتالي ستجبر إسرائيل على التعاطي الايجابي مع المنطقة فإذا كانت تريد العيش بالسلام في هذه المنطقة فعليها ان تمد يد السلام أما بطريقتها الحالية فهذا ليس واضحاً». وأضاف الدكتور العادل «الجانب الآخر أن تركيا تتجه لتضييق الخناق من الجانب البحري على إسرائيل في حوض المتوسط وهي المنطقة البحرية التي تتحرك فيها إسرائيل. وفي إطار تعاون إقليمي ستسعى لتضييق الخناق على تل أبيب في هذا البحر، و أرى أن تركيا اختارت التوقيت جيداً واختارت أن تسبق الأحداث في حالة أن تم إعلان التقرير رسمياً فهي لا ترى نفسها ملزمة به». أما الدكتور محمد سعد مدير مركز القاهرة للدراسات التركية فأشار في حديثه ل «الرياض» إلى أن القرار كان متوقعاً. وأضاف «سيناريو الأحداث مع وصول حزب العدالة والتنمية وتأخر العلاقات مع إسرائيل كلها أدت إلى تراجع في العلاقات ووصلت الذروة مع أحداث سفينة مرمرة.. أما لماذا تأخر لان تركيا كانت حريصة على تنقية العلاقات مع الجيران وقدمت شروطا ولكنها رفضت». مشيراً إلى أن إسرائيل وضعت تركيا في مأزق وجعلتها تتخذ هذا القرار الأقوى حتى لا يصبح حزب العدالة حزباً لا يحافظ على المواطن التركي.. كما ان القومية التركية تعتبر المواطن التركي دمه غاليا. لافتاً إلى أن مستقبل العلاقات بين البلدين سيتراجع ولكن لن يصل إلى المواجهة.