مما لا شك فيه أن بزوغ ظاهرة أو هوس استخدام المواقع الإلكترونية الاجتماعية أو ما يعرف ب Social Media)) مثل الفايسبوك ((facebook والتويتر (Twitter) والبلاك بيري (Black Berry) وما تتميز به من سرعة تبادل الأخبار والمعلومات بين المشتركين، مما سهل من فرص انتهاك الخصوصية الشخصية من خلال نشر الشائعات وتداولها بشكل مطرد سريع يصعب من الحد منه أو القضاء عليه. ولعلي أشير هنا إلى أن المقصود بالخصوصية (Privacy)، ليس كما هي بمعناها الحرفي أو كمفهوم ناهيك أنه لا يوجد تعريف دقيق شامل يحدد ملامح المعنى و يقيد عموميته ويبرز دلالته بشكل لا لبس فيه. لأن الخصوصية تتعلق بشكل رئيسي بثقافة المجتمع وتكوينه والتي تختلف باختلاف الزمان والمكان والعوامل والظروف التي تؤثر فيه. ولذلك، فإن ما يُعد مثلا داخلا تحت مفهوم الخصوصية في المجتمعات الإسلامية المحافظة قد لا يكون كذلك في المجتمعات الغربية المتحررة. وأيضا نجد مفهوم الخصوصية يتغير بتغير موضوعه، ففي مصطلحات القوانين الدولية نجد (مثلا) التعريف القانوني للخصوصية يختلف في تفاصيله عن التعريف الإنثروبولجي أو الاجتماعي. ومع ذلك فإن تحديد مفهوم الخصوصية في الماضي لم يعد إشكالاً كبيراً. لكن مع انتشار العولمة الإلكترونية في عصر التكنولوجيا الحديث وما كان من نتاج ذلك من انصهار للثقافات التقليدية السائدة فإن مفهوم الخصوصية قد أصبح أكثر تعقيداً وضبابيةً. وبهذا الصدد.. فإن القوانين والمواثيق الدولية متفقة على تجريم جميع أشكال انتهاك خصوصية الفرد. وما قد يترتب على ذلك من عقاب مع اختلاف جذري في تحديد ما يمكن أن يطلق عليه انتهاكا في ذلك الخصوص, ولكن الإشكالية هنا تبرز في مدى إمكانية إنزال تلكم العقوبات الجزائية على واقع المواقع الاجتماعية الإلكترونية Social Media)) وذلك لكثرة المستخدمين واختلاف أماكنهم وتعدد ثقافاتهم وصعوبة (في بعض الأحيان) تحديد ومعرفة الهوية الحقيقية لمنشئ الصفحة أو المدونة الإلكترونية والقائمين عليها... وأهدافهم وانتماءاتهم العرقية والعقائدية والثقافية! ولبيان المقصود من ذلك فإن من المناسب الإشارة لقضية أثارت المجتمع البريطاني وتفاصيل ذلك بدأت عندما حصلت إحدى المطبوعات الصحفية على معلومات تشير إلى تورط أحد لاعبي كرة القدم المشهورين هناك في فضيحة جنسية ولكن استطاع محامي اللاعب الحصول على إنذار قضائي (بما يعرف ب super injunction) يمنع تلك الصحيفة من الكشف عن اسم اللاعب أو نشر أي تفاصيل أخرى عن علاقته المشبوهة. ولكن حصل أن قام شخص مجهول الهوية بفتح صفحة باسم مستعار في موقع تويتر ونشر تفاصيل القضية مع الإشارة لاسم اللاعب وبعد ذلك بساعات قليلة أصبح الآلاف من مستخدمي التويتر يتبادلون ذلك الخبر. والذي حصل أنه رغم جهود السلطات، إلا أنه تعذر الوصول إلى مسرب الخبر.. وبالتالي فقد أصبح من الصعوبة بمكان حفظ حقوق وخصوصية اللاعب المذكور.. ومتابعة الجاني ومحاكمة كل من شارك في عملية نشر تلك الفضيحة! أيضا من غير المعقول إلقاء مسؤولية خرق القانون على منشئي الموقع بالرغم من وجود أصوات تنادي بذلك لأجل أن ليس للموقع ارتباط مباشر فيما حصل.. وإن سلمنا بذلك لكون مصدر بث تلك الشائعة حصل من خلاله فإن هذا يؤدي إلى المساءلة القانونية لموفري خدمة الإنترنت، وذلك مثلا عند حصول جرائم الكترونية أخرى مثل غسيل الأموال أو سرقة البيانات البنكية أو غير ذلك وفي هذا تعسف وضرر لا داعي له. أَضف لذلك نجد كما هو معلوم أن المقر الرئيسي لموقع تويتر في مدينة "سان فرانسيسكو، كاليفورنيا" سان فرانسيسكو الأمريكية وهو خارج عن حدود النطاق القانوني للمحاكم البريطانية على تفاصيل في ذلك يمكن أن نتطرق إليها في مقال لاحق بإذن الله. ومن هنا.. تبقى مسألة خصوصية الفرد في العصر الرقمي (digital age) مسألة مؤرقة خصوصاً مع تشعبها وتنوع سبل انتهاكها وبعد احتمالية الوصول إلى تعريف عالمي موحد لتحديد مفهومها في القريب العاجل. وأختم بالتذكير بقول المصطفى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم "من علم من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة"... * أستاذ القانون والدراسات الإسلامية جامعة ويلز- بريطانيا