ضمن سلسلة "رواد المشرق العربي" صدر عن دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث كتاب جديد بعنوان "رحلات إلى الأراضي المقدسة أواخر القرن الرابع عشر الميلادي" متضمنا العديد من الصور القديمة والنادرة للأراضي المقدسة آنذاك. وهو من تأليف الرحّالين الإيطاليين ليوناردو فريسكوبالدي، سيمونه سيغولي، ترجمة شيرين إيبش، تحرير وتعليق د.أحمد إيبش. في أواخر القرون الوسطى – وتحديدا في عام 1384م قام 13 رجلا من نبلاء توسكانا برحلة حج إلى مصر وفلسطين والشام، في أوائل أيام دولة المماليك البرجية التي كان على رأسها آنذاك السلطان الظاهر برقوق. من بين هؤلاء الرحالة قام ثلاثة من مدينة فلورنسا بتدوين وقائع رحلتهم وما جرى لهم فيها من وقائع، وما رأوه من عظمة مدن الشرق إبان ازدهار المماليك، وذلك بعد 97 عاما من طرد الغزاة الصليبيين، وقبل 16 عاما من كارثة الغزو المغولي. وهؤلاء الثلاثة هم ليوناردو فريسكو بالدي، وسيمونه سيغولي، وجورجو غوتشي الذي دون مشاهداته في كتاب صغير منفصل. ونطالع في هذا الكتاب الطريف أحداثا حية ووصف حيا مدهشا لمدن الشرق التي زارها هؤلاء النبلاء الإيطاليون، فعدّدوا فيها أماكن الحج والزيارة بفلسطين، ووصفوا طرق السفر والمدن والقرى والمعالم الطبيعية. وخصّوا التجارة بجانب وافٍ من كتاباتهم، وأدهشهم الغنى التجاري والتقدّم الحضاري للمشرق. ومن أهم ما يلاحظ في هذا الكتاب تقديمه لصورة غنية مليئة بالحركة والألوان والتفاصيل الدقيقة الجذابة لمجتمعات بلادنا قبل سنوات بسيطة من كارثة الاجتياح المغولي، التي عصفت بمشرقنا العربي في عام 1400م، وتركت بعض بلدانه ومدنه خرابا بعدما كانت زاهرة عامرة ترفل بالحضارة والحياة. وكانت دار الكتب الوطنية في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث قد أطلقت في العام 2009 سلسلة رواد المشرق العربي، حيث هناك عشرات الأعمال المتعلقة برحلات الرحالة الأجانب إلى المنطقة العربية، وخصوصاً منطقة الخليج العربي، العائدة إلى فترات زمنية مختلفة، كانت إما طيّ النسيان الكامل، وإما غير مترجمة بعد إلى اللغة العربية. وقد سعت دار الكتب الوطنية إلى سدّ هذه الهوة، انطلاقاً من أهمية تجميع هذه المادة الكبيرة في مكان واحد، مما يوفر معرفة أعمق وأوسع، سواء بالرحلات نفسها، أو بملامح المنطقة وثقافتها وتراثها، خلال فترات قلّ فيها التأريخ والتدوين. ومن هنا كان إطلاق سلسلة رواد المشرق العربي، التي نشر عشرات الأعمال منها حتى اليوم، ولم يكن الهمّ نشر هذه الأعمال فحسب، بل تدقيقها ومراجعتها مراجعة صحيحة، بحيث تخرج بأقلّ قدر ممكن من الأخطاء والمغالطات. وهذه السلسلة مستمرة حتى تحقّق الهدف المذكور سابقاً بجمع كلّ ما كتبه ونشره الرحالة الأجانب عن العرب وعن الخليج العربي خلال عقود من الزمن، وذلك ضمن استراتيجية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في صون التراث العربي.