السكن يأتي في درجة بارزة ومتقدمة من حياة البشر، ولا نختلف في هذا. لذا أجدني ملزما لأن أتخذ مسألة سكن الفرد أو الأسرة مثالا لطرحي هذا. هب أن احدنا اختار شراء بيت قديم، وأراد إجراء إصلاحات كتغيير الأنابيب في الحمامات ووسائل الصرف وأسلاك الكهرباء ومواقع نقاط الكهرباء وتكسير البلاط القديم وإحلال جديد محله، والدهان، وتغيير التركيبات الصحيّة وإجراء بعض المتطلبات الضرورية كالأسقف المستعارة. سؤالي كم من يد أو بصمة سعودية ستأخذ دورا في هذه العملية. لا شيء أعتقد. فمنذ تأسيس صندوق التنمية العقارية قبل أكثر من ربع قرن، والتفاؤل يسود بأن كثرة أعمال البناء الفردي والوفرة المالية ومعاهد التدريب ربما منحتنا ولو واحدا في المئة من مهارات تقوم بذاك العمل الذي جاء ذكره. السعودي لا يزاول تكسير البلاط ولا التبليط ولا الدهان ولا السباكة ولا أعمال السيراميك ولا الأسقف المستعارة. وتلك الأعمال - كما نشاهد - هي المطلوبة في تشييد أو تجديد مسكن. تلك الأعمال، وهي فعلا صعبة، وتحتاج إلى حضور زمني وذهني، لكن المرء بها يجني ويكسب ويستحق رزقه. صحيح أن سعوديا مُبلّطا أو مكسّر بلاط سعوديا قد يبتعد عن محيطه الاجتماعي قليلا، لكن هذا أولى من تجنب صناعة شملت أرجاء بلادنا وهي التعمير. مرحلة مثمرة مررنا بها وهي زيادة الطلب على العاملين بالإنشاءات منذ نهايات القرن الميلادي الماضي وحتى الآن، ومع ذلك لا نرى للسعودي أثرا، ونسأل أنفسنا: لماذا تلك الأرقام الفلكية تتحوّل من بلادنا شهريا. ثم إننا اعتدنا ألا نتساوم مع السباك أو الكهربائي (ما نكاسر). نعطيه ما يطلب.. خشية ألا يعود في اليوم التالي. أما كون السعودي لا يفضل الأعمال الشاقة، فهذا صحيح إلى حد ما. لكن المتفحص لتاريخ شركة الزيت (أرامكو) سيعثر فى سجلات الأجانب وأدبياتهم أن السعودي من الشمال والجنوب والشرق والغرب كان عماد عمليات التنقيب في الصحارى. وذكر البعض من السعوديين أنهم يقضون الأسابيع وربما الشهور في الصحارى ملتزمين بمواعيد العمل. كذلك "كمب العمال" في الظهران فيه من حكايات الكد والأدب والالتزام من النثر والشعر. وبعد الفورات المالية المتتالية بحث الشباب عن أعمال أكثر بريقا، وأيضا أكثر راحة. فنجدهم تقدموا إلى وظائف البنوك والشركات ومرافق الخدمات. والمترف جدا منهم (من السعوديين) مال إلى الدراما والأضواء، فسمعنا عن (واسطات) لضم هذا أو ذاك ولو إلى الكومبارس. كذلك شاع حب الشعر وتأليفه ونشره والأمسيات وتأليف الأغاني. فالبريق لديهم يجذب أكثر. قيمة الإنسان ما يُحسنهُ * أكثر الإنسان منها أو أقلّ