الرعاية الصحية ذات خصوصية مختلفة لتعاملها مع حياة البشر، فهي اقرب (لخدمة إنسانية) من خدمة بمقابل، ومع تطور الصحة بشتى مجالاتها، أصبحت الأنظمة الصحية تسعى لتحقيق أهدافها المهمة كتوفر الخدمة الصحية وجودتها، وتلك الأهداف تستقيم بالدعم المادي، مما جعل الأنظمة الصحية تسعى لجلب المصادر المادية بطرق مختلفة كالتأمين التجاري و التعاوني، وهناك أنظمة تقدم العلاج (المجاني) لكن عامل الجودة والوقت يتأثر لارتفاع التكاليف. لنأخذ مثال النظام الصحي الأمريكي، حيث سلَم معظم الخدمة الصحية للقطاع الخاص، ساعيا لتحاشي دفع كلفة العلاج، والنتيجة كانت ارتفاع سعر الخدمة الصحية، خروج شريحة من المجتمع الأمريكي ( في 2009 تقريبا 51 مليون نسمة عاجزون عن دفع التأمين) و يتلقون الخدمة الصحية الحكومية الضعيفة (Medicaid)، دفع الحكومة نسبة 16% من الناتج القومي على الصحة(من أعلى الدول إنفاقا)، وافتقاده للإنسانية لكثير من القضايا كإفلاس العديد بسبب عملية جراحية، ولا نغفل إيجابيات النظام من الجودة، والوقت، والنظام للمؤمن عليه. التأمين الصحي مطلب مهم، ومصدر لدفع كلفة العلاج ، لكن ما هي آلية تطبيقه ليكون نظاماً ايجابياً والمراقب لشأن التأمين يرى الكثير يذهب إلى رأيين، الأول كما ذكر احد المحسوبين على القطاع الخاص (ببساطة!وهي دفع وزارة الصحة كلفة التأمين 1000 ريال مضروبة في 18 مليون مواطن، وستوفر 38 مليار)؟!! والثاني يكون التأمين بين الفرد وشركة التأمين، وتنحي وزارة الصحة عن تقديم الخدمة، فالرأيان السابقان بمعنى تسليم زمام أمور الرعاية الصحية للقطاع الخاص، وتوجيهها لسوق يتحكم فيه التجار، هذه الآراء تظهر سلبياتها على المدى البعيد، والأسلم بقاء الرعاية الصحية تحت سيطرة الحكومة، وعدم دخولها في متاهات الربح والخسارة، ولنستفد من التجربة الأمريكية، ومقترح الرئيس أوباما حيث الواضح التدخل في القطاع الصحي بعدما كان (سوق حر). هناك نقاط يجب نقاشها قبل الانحياز للرأيين السابقين هي: كيف تتبنى الدولة نظام التأمين التجاري في ظل ضعف للقطاع الصحي الخاص مقارنة بعدد السكان، والمدن، والقرى. شركات التأمين التجارية والمستشفيات الخاصة، ستتكالب على مدخرات الدولة والمواطن، فلن يستمر سعر التأمين للأفراد كما هو عليه، والسبب أن البائع (المستشفى) والمشتري (الطبيب) والوسيط (شركة التأمين) أهدافهم ربحية،(الطبيب هو من يحدد العلاج لا المؤمن لذا يعتبر هو المشتري)، أيضا تطور الأجهزة، والعلاج يحتاج لتكاليف، وللمؤمن دور في تغطيتها. هناك شركات تأمين في أمريكا غير هادفة للربح (non profit) لها ثقل وواسعة الانتشار، وتعمل جاهدة لتقليص تكلفة العلاج التي ستعود على المؤمن وذلك بسن قوانين، ومتابعة البروتوكولات وإجراءات العلاج, وصرامة القوانين في قضايا الاستغلال, إلا أن الأسعار خرجت عن السيطرة، صرحت منظمة(”NCHC” National Coalition on Healthcare في أمريكا أنه مابين عام 2000الى 2005 ارتفع سعر التأمين بنسبه 73% وأضافت يجب الإصلاح في العاجل وإلا سيتضاعف سعر التأمين إلى عشرة أضعاف). دخول التأمين التجاري سيفقد مهنة الطب الإنسانية، وسيجعل توجهات مقدمي الخدمة مادية، (نلاحظ بعض المستشفيات الخاصة تطلب فحوصات ليست بالضرورية لغرض مادي). إذا افترضنا تأمين وزارة الصحة على المواطنين (بهدف التوفير)، هل ستتخلص الوزارة من بنيتها التحتية، أو جزء منها، بالطبع لا، إذاً سيكون هناك مضاعفة في الخدمة والإنفاق!!وهل سيعفيها من فتح المراكز التخصصية التي لا يغطيها التأمين (الأمراض المستعصية، والخلل العقلي، والنفسي والقائمة تطول في بنود وثائق التأمين). تجربة التأمين على المقيمين ليست مقياس نجاح لتطبق على المواطن، لأن تأمين المقيم لمدة سنة يخوله للحصول على إقامة لمدة سنتين، لذا ما يقارب نصف المقيمين يؤمنون سنويا، أيضا وجودهم خارج البلد لمدة تصل لستة أشهر بحكم الزيارات، بالإضافة لمعظمهم يؤمن بأقل فئة تأمينية، والتجربة القانونية التأمينية لتجربتهم غير واضحة. لتبنى (التأمين الصحي) يجب أن تراعى عدة جوانب وهي عدم الاعتماد على القطاع الخاص في تقديم الخدمة الصحية، وان اضطررنا لنظام التأمين فالأولى التأمين التعاوني بإشراف وإدارة وزارة الصحة، وتعمل بدور شركة تأمين لضمان تقديم العلاج للجميع بدون قيود، ويجب أن لا نستقدم أنظمة أخرى، و شركات تأمين من الخارج ونطبق قوانينها وبنودها، أيضا ابتكار حلول من الداخل يؤخذ فيه الجوانب الآتية الثقافي، والاجتماعي، والجغرافي ثم يبنى على ذلك تطوير نظام صحي جديد، والاستفادة من البنية التحتية والموارد المالية الحالية ، وتحسين الإدارة في مرافقانا الصحية، من خلال كوادر إدارية متخصصة في مجال الإدارة الصحية. * مساعد مدير إدارة طب الأسرة والمجتمع بمستشفى قوى الأمن