في شهر رمضان الكريم يحلو الحديث عن الطعام , سواء أثناء فترة الصيام وتبادل المعلومات والوصفات « المواقع الإلكترونية دخلت على الخط «، ولم تعد هناك اسرار غذائية, أو بمجاملة الثناء على طبق ما صنعته قريبة او جارة. الحقيقة ان الجميع يتذكر الطعام، ويهفو إلى التورط العملي في إعداده خاصة النساء حتى العاملات منهن , بفطرة الادوار والاحساس بالواجب . وعليه , يروق لي اليوم ان أحدثكم عن هذا الجانب ليس من باب الكورس الجماعي بالطبع , وإنما عطفا على الظاهرة, والتي وإن كانت بلا احصائية ودراسة عملية غير ان تراكم الاطعمة في بيوتنا وبشكل مبالغ فيه هي الصورة الاوضح. فتاة في محيطي العائلي فتحت السيرة منذ ايام عندما سألتها عن تجمع صديقاتها للفطور، وماذا أعدت لهن قالت ببساطة : « سأعد صنفا واحدا وكل واحدة من صديقاتي ستأتي بطبق «. فكرت في كلامها وأيقنت ان خطتها عملية خاصة لدى فئة الجيل النامي والذي أكثره لايعرف اصول الطبخ، او تفاصيل إعداده لانهن ببساطة بلا تجارب عملية. **** قالت صديقة تحدثني عن تجاربها الاولية في مطبخ رمضاني، وكانت قليلة الخبرة والوعي بعالمه . « في مراهقتي وددت ان اعمل شاطرة ذات يوم وأطبخ فطورا لاخوتي، وكانت امي مسافرة برفقة شقيقي فدخلت المطبخ وبدأت أقطع الدجاجة فقطعت اصبعي من تسرعي وصرت انزف. ملأني الخوف من منظر الدم وهرعت اختي للحارس تسأل إن كان يعرف طبيبا ساكنا في العمارة. فقال نعم هناك طبيب، وفرحنا فقد كان الوقت قبيل المغرب وليس بالامكان الخروج. ربطت اصبعي بالشاش حتى بعد الفطور وصبرنا ليأتي من يقول لنا بأن الطبيب هو بيطري وخاص بالحيوانات! وسألَنا الحارس في سذاجة يحسد عليها « ينفع هادا دكتور ؟» **** أخرى حكت لي مغامرتها مع إعداد اول صحن قطايف في حياتها بمعاونة قريبة لزوجها التي كانت تعطيها التعليمات بالمطبخ وهي فرحة بأإنجاز صنع طبق حلويات بمفردها، ولكن الذي لم تدركه هو عمل حساب سخونة زيت القلي فما ان وضعت القطايف وكانت يدها مبلولة بعض الشيء حتى طاش الزيت الذي اصبح في درجة الغليان على ذراعها! وتقول عن الالم بأنه كان فظيعا، ولكن الاكثر إيلاما بأن احدا لم يصدقها عندما اصابها هبوط مفاجئ اضطرت معه ان تستلقي على الارض كما نصحتها طبيبة من قبل، وترفع قدميها إلى الاعلى. فضحكت المرأة الاخرى غير مصدقة وعندما زاد إحساسها بالألم وبدأت تبكي لم تجد بداً من وضع ذراعها في الفريزر في محاولة يائسة لتسكينه. ثاني يوم عند طبيب الجلدية سألها ماذا حدث وقد غطى السواد منطقة الحرق , فبدأت تحكي له عن زيت القلي الحار الذي انسكب على ذراعها وكيف اصابها هبوط, ووسط الكلام قاطعها فجأة وسألها باهتمام جاد « اخبريني وماذا كنتِ تحمّرين ؟؟ قالت « قطايف « وقد ادركت بأنه يلطف من اجواء قلقها ويريد تهدئتها. وتضحك معلقة « هل ترين الان كيف هي مهمة سيرة الطعام في شهر رمضان؟» وتضيف إنها اصبحت تخشى على جيل بناتنا غير المدربات على امور الطبخ خاصة في بداية الزواج، والاستقلال عن بيت الاهل, وتعتقد بأهمية تدريبهن في المدارس والبيت كجزء من الوعي بدور ربة البيت وايضا خوفاً عليهن من اخطاء التجارب الاولى خاصة في شهر رمضان حينما يغمرهن الحماس والتفاعل الجماعي لإعداد أطباق من صنع أيديهن..