كثيرون هم اولئك الناس الذين يعيشون بيننا كالماء- بلا طعم ولا لون ولا رائحه - تلوَنهم آراء الآخرين التي ينتسبون لها طوعاً أو كرهاً, الا أن أغلبهم يحملون بداخلهم آراء مكتومة ووجهات نظر قد تكون مختلفة ومع ذلك هم يريدون العيش ( بسلام) فيرفضون المشاركة بها ويفضّلون أن يتبعوا سياسة الرضوخ للرأي السائد تجنباً في أن يقول عنهم قائل ( هذا شخص يحمل رأياً شاذاً عن رأينا أو عاداتنا) فينتظر هؤلاء إلى أن يسخّر الله لهم من يتحدث بلسانهم ليكون نصيبهم التأييد فقط . كنت أرى في نفسي دائماً صاحب رأي مختلف او ربما متخلف في عيون البعض , الا أني طورت من قدرتي خلال السنين الماضية على أن أصدح وانضح بكل مايخالج نفسي فأنا أحتسب الى الله بأني من (أولو الألباب) والله حسيبي , ويحق لي المشاركه برأيي الذي أؤمن به, وبالتأكيد لم أكن أتوقع من الغالبية في مجتمعنا بأن يسلكوا نهج الفيلسوف الفرنسي فولتير حين قال (قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمناً لحقك في أن تقول رأيك) بل توقعت بأن نهجهم سيكون (إن لم تكن معنا فأنت ضدنا ) لذلك كنت على أتم الاستعداد أن يتم تصنيفي تحت التصنيفات الاجتماعيه الجديدة التي يطلقها البعض على المفكرون والمختلفون.. التاريخ يشهد بأن الناس عبر الزمن وقفوا تجاه أصحاب الرأي( المختلف) وقفة سخرية وإستهزاء على انه رأي (متخلف) بل وربما تعرض الرسل والفلاسفة والمفكرون للقتل والتنكيل وهذا ماحدث مع الأنبياء الذين كانوا يملكون فكراً جديداً ورأياً مختلفاً عن قومهم جعلهم عرضة للأذى والمحاربة نظراً لأنهم بدت عليهم بوادر الرفض للوضع الاجتماعي لا سيما أنهم يحملون رسالة تهدف الى تغيير ماتوارثه الناس من عادات وتقاليد بالية وعلى هذا الأساس ألصق الناس بهم تلك التصنيفات المتاحة آنذاك والتي قال عنها الله تعالى (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) , هو نفسه الوصف بالجنون الذي تعرض له كل من الفيلسوف الإغريقي سقراط , والعالمان الإيطاليان جيوردانو برونو وغاليليو غاليلي. والرابط بينهم أنهم جميعاً اعدموا بتهمة الهرطقه ولم يتم تثمين كلامهم في وقتهم على أنه كلام عظيم سابق لعصره, بدليل أننا الآن وبعد عدة قرون رأينا فيما كانو يقولونه مالم يروه الذين قتلوهم حينها لدرجة جعلتنا نرتقي بهم من وحل الهرطقه الى عرش العظماء , وأصبحت كتبهم وأقوالهم مناهج يتم تدريسها في مختلف الجامعات والمدارس , بل إن حتى الكنيسة الكاثوليكية التي أصدرت أمراً بإعدام غاليلو غاليلي لم تعتذر عن قتله الا في عام 1992 م حين أدركو صحة ماكان يقوله عام 1642 م ..فماذا لو استثمر الناس وقتها في أقوال فلاسفتهم وتعاملوا مع علمائهم ومفكريهم الذين يحملون فكراً جديداً بطريقة عقلانية أكثر عوضاً عن محاربتهم وإلصاق بهم مختلف التهم . لاتخشى في أن تكون (شاذاً فكرياً) لدرجة تمنعك من قول ماتشعربه , ولاتكتم رأيك طالما أنك على قناعة بأنه لم يتجاوز ثوابت وخطوط حمراء , ولاتهتم فيمن سيراك (متخلفاً) فلربما سبقته بعلمك وفكرك ولن يعي ماكنت تقوله الا بعد سنين .. ربما ضوئية!!