بدت مطابخ الشاي والقهوة في معظم الوزارات والجهات الحكومية والشركات، خاوية إلاّ من بقايا رائحة الهيل والقهوة، حيث قام معظم المستخدمين "القهوجيه" في حفظ أواني القهوة والشاي إلى ما بعد شهر رمضان المبارك. ويرحب المستخدمون أو ما يعرفون باسم "القهوجية" بشهر رمضان أكثر من غيرهم من الموظفين في الأجهزة الحكومية، باعتبار أن عملهم متعلق بتجهيز الشاي والقهوة، والتي تغيب حتى يحين موعد الدوام بعد عيد الفطر المقبل. وأمام ذلك فإن معظم "القهوجية" يرفضون تقديم إجازتهم السنوية سواء العادية منها أو الاضطرارية في شهر رمضان، باعتبار أنهم أصلاً لا يعملون، ويتوقف عملهم على الحضور والانصراف، وبالتالي فإنهم يشغلون أنفسهم إما بالحديث عن همومهم اليومية، أو بقراءة الصحف والمجلات، خاصة وأن أكثرهم من جيل الشباب ممن حصلوا على تعليم متوسط ويجيدون القراءة والكتابة. وتبرز أهمية "القهوجية" في المكاتب الحكومية، بكونهم أكثر الموظفين قرباً من كبار المسؤولين، بحيث يظلون فترات طويلة داخل الاجتماعات السرية، أو أثناء دخول المسؤول في الجهات الحكومية؛ لذلك فإن موظفي الوزارات يبحث عن بعض المعلومات عند "القهوجية" لأنهم هم الأقرب والأكثر دخولا للرئيس المباشر، ودائماً يتم السؤال لهم: هل حضر المدير العام؟. ويقترح بعض الموظفين جعل شهر رمضان إجازة مجانية ل "القهوجية"، كون حضورهم غير مجد طالما أغلقت أبواب المطابخ الصغير المعدة لتجهيز القهوة، وتستفيد بعض الإدارات في الأجهزة الحكومية من توقف القهوة والشاي في رمضان، بجعل "القهوجية" مراسلين بين الإدارات التي ترسل المعاملات اليومية فيما بينها. وعلى الرغم من الراحة التي سيحصل عليها "القهوجية"، ونظرات زملائهم الحاسدة أحياناً، إلاّ أنهم يبررون هذه الراحة الإجبارية، بأنهم أكثر الموظفين عملاً، حيث يقضي بعضهم في بعض الأحيان أكثر من ساعات الدوام الرسمي، وقد يمتد حتى خروج المدير العام من مكتبه، كون مديري العموم غالباً ما ينجزون أعمالهم بعد خروج الموظفين، خاصة كبار المسؤولين من الوزراء أو وكلائهم، الأمر الذي يتطلب معه جلوس "القهوجية" حتى ساعات متأخرة من المساء. وبالرغم من ضغط العمل والساعات الإضافية، إلاّ أن كثرة انتدابات المسؤولين قد تكون فرصة للراحة لدى بعض "القهوجية". ويقول "مشعل الدوسري" -الذي يعمل مراسلاً وقهوجياً لدى إحدى الجهات الحكومية-، إن ذهاب المدير العام لانتداب أو سفر أو إجازة يعتبر فترات راحة له ولزملائه في العمل، وهذا لا يعني الغياب عن العمل -بحسب قول الدوسري- وإنما راحة من الضغوط داخل العمل. وعادة ما يرتبط "القهوجية" بمدير مكتب المدير العام أو الوزير -الذي بدوره ينظم إجازاتهم السنوية-؛ لذلك يحرصون كل الحرص على إرضاء مدير مكتب المدير العام أكثر من المدير العام نفسه بحسب قول الدوسري. ولا تتطلب وظيفة "القهوجي" أي خبرات أو معرفة، سوى إجادة عمل القهوة والشاي والتي لا يتطلب تعلمها سوى عمل تجارب بسيطة، لكن تفاصيل عمل المشروبات الحارة الأخرى كالكابتشينو والقهوة التركية يجهلونها؛ بسبب عدم الإقبال عليها من قبل الموظفين من جهة، وتفضيل القهوة العربية السعودية على غيرها من جهة أخرى. كما يؤكد زميله "عبدالله الدوسري" -الذي يعمل بنفس القطاع- أن عمل "القهوجي" لا يتطلب مؤهلات كبيرة، مبينا أنه استغل فترة شبابه بمواصلة الدراسة في "الليلية" حتى يستطيع تحسين وضعه الوظيفي مستقبلاً. وظل "القهوجية" لعقود طويلة من كبار السن غير المتعلمين، الذين باتوا لا يصلحون لضغوط العمل أو للانتظار لساعات طويلة بعد انتهاء الدوام الرسمي، حيث لجأت معظم الوزارات والجهات الحكومية إلى الاستعانة بجيل الشباب، بعد تضاؤل الفرص الوظيفية، وتفضيل الشباب السعودي الوظيفة الحكومية على وظيفة القطاع الخاص، بالرغم من تدني رواتب "القهوجية" والذين يعينون عادة في وظائف لا تتجاوز مرتباتها ثلاثة آلاف ريال في الشهر.