لا يمكن إدراك معنى الفقد والغياب الذي يشعر به البعيد عن أسرته في شهر رمضان المبارك، فهناك مرضى مازالوا رهائن "الوعكة الصحية" في غرف المستشفيات، يتألمون ويعانون جسدياً، إلاّ أن الوجع الذي يشعر به المريض أبعد وأعمق في صورته من العارض الصحي، فهو مازال يتذكر مائدة أمه الرمضانية، وتحضيرات شقيقته الجميلة، وترحيب زوجته قبل موعد الإفطار. هناك مرضى رافقوا المرض، والأطباء، والممرات، وشاش العلاج والمحاليل في رمضان، ولم يستمعوا إلاّ لصوت السيارات المارة من بعيد؛ لأنهم أُجبروا على المكوث في تلك الأجواء بعيداً عن الصخب الرمضاني الجميل، لكنهم يتأملون وجوهاً بقيت ملتصقة بهم في حكاية وفاء، ويجدون أسرهم معهم، تنقل رمضان إليهم بحلة جديدة، يأتون كمرافقين وزائرين وعابري سبيل ليذكروه بأن رمضان تواصل ورحمة حتى حينما يكون بداخل المستشفى وعلى السرير الأبيض. "الرياض" تجولت في مستشفى الملك فيصل بمحافظة الطائف -الذي يعد أحد أقدم مستشفيات مدينة الورد- وأكد عدد من المنومين على أن شهر رمضان المبارك المطل عليهم وهم بعيدون عن أسرهم سيجعلهم يضاعفون عباداتهم ويستغلون أوقاتهم بقراءة القرآن الكريم، وتطابقت آراؤهم حول جودة الطعام والخدمة المقدمتين داخل المستشفى، مشيرين إلى أن الأرق الوحيد الذي يخنق عباراتهم يتمثل في حرمانهم من نعمة التجمع الأسري على المائدة الرمضانية الكريمة. المواطن العيلي متحدثاً للزميل الحسيني حادث مروري بنبرة حزن يروي الشاب "ماجد بن عبدالله الحارثي" لحظات الحادث المروري الأليم الذي راح ضحيته شابان من شباب منطقة ميسان ببلاد بني الحارثي جنوبي المحافظة، إضافة لكسر فخذه، مؤكداً على أن السرعة وعكس الطريق العام هما العاملان المشتركان في ما حدث. وتألم "ماجد" كثيراً لوفاة الشابين إثر ذلك الحادث المروع، وتمنى أن يكون في كنف أسرته في شهر رمضان المبارك؛ غير أنه أشار إلى أن هذا الوقع والمصاب الجلل سيحفزه لمضاعفة العبادة، مبدياً عدم أهمية بمسألة اختلاف نوعية طعام المستشفى عن ما كان يجده في منزله في هذا الشهر الكريم. مرضى ومرافقيهم ينتظرون الخروج من المستشفى وقفة إنسانية ويلتقط والده منه أطراف الحديث (المعلم) عبد الله بن عوض الحارثي الذي أبدى مشاعر العزاء الحار ومشاطرته الصادقة لأحزان ذوي المتوفيين، حامداً الله جل وعلا على قضائه وقدره، مشيراً إلى أنه لم يزر ابنه إلاّ بعد الحادث بيوم؛ نظراً لتواجده مع ذوي المتوفيين؛ فهو يعلم مدى وقع المصاب حينما يفقد الوالد ابنه، فكيف حين يكون في هذا الشهر الكريم، موضحاً أن الأسرة بهذا الحادث ستنشق لقسمين في شهر رمضان، حيث سيتناوب الجميع على مرافقة "ماجد" في المستشفى، مبيناً أن ذلك سيفقدهم متعة التجمع الأسري، كما أن أسر المتوفيين سيحرمون من ذلك قسراً، سائلاً الله أن يعوضهم بدلاً من ذلك خيراً كثيراً وأن يؤجرهم في مصيبتهم خير الجزاء. وجبات المستشفى وشكر "عابد القثامي" منسوبي المستشفى على جهودهم في إنجاح عملية جراحية أجريت لقدمه، مبدياً سعادته بموافقة خروجه مع إطلالة شهر رمضان المبارك، مبيناً أنه حتى لو بقي في المستشفى لأيام مقبلة فلن يتأثر كثيراً؛ لأنه سيعوض فقد أسرته بالتفرغ للعبادة. ووافقه الرأي في ذلك كل من المسن "إبراهيم العيلي" و"عبد المجيد الشريف" و"محمد السواط"؛ فيما اعتقدوا أن اختلاف نوعية الأكل في المستشفى لا تشكل لهم هاجساً كبيراً؛ لاسيما وأن القرار بيد الأطباء في تحديد نوعيته؛ في حين قال "رامي بخاري" أنه سيطلب من أهله إحضار بعض المأكولات التي يرغبها في هذا الشهر الفضيل، مؤكداً على أن الطبيب سمح له بذلك لأنها لا تشكل خطراً صحياً عليه. ماجد الحارثي مرافقة المريض وعلى الجانب الآخر بين عدد من مرافقي منومي المستشفى أنهم برغم تألمهم لتنوم ذويهم في المستشفى؛ غير أنهم سعيدون لأن ذلك سيفتح باب الزيارة لمحبيهم الآخرين من الأقارب، كما سيقربهم أكثر من مرافقة مرضاهم؛ مما يزيد من أواصر المحبة في وقت انشغل الناس فيه بأمور الدنيا، مشيرين إلى أن المرافقة بالتناوب حلت كثيراً من أمر الارتباط الكلي للمنومين؛ مما يتيح الفرصة لقضاء بعض الاحتياجات المهمة، خاصة فيما يتعلق بالمرافقين المتزوجين. كما لوحظ وجود عدد من المرضى في قسم الطوارئ من الجاليات العربية والمسلمة، حيث يجد كل من اليمني "أحمد علي"، والمصري "ياسر البرديسي"، والباكستاني "غلام خان" أن العارض الصحي الذي يمرون به لم يدفعهم للشعور بالغربة عن موطنهم أبداً، بل إن الرعاية المقدمة وثقت شعور الموطن الثاني لديهم.