ما أريد تناوله هنا هو تسليط الضوء حول العملية المعقدة التي تحيط بأفلام الكرتون التربوية والغائبة في مجملها عن وعي الأطفال والمسؤولين عن ترفيه الأطفال على حساب الكرتون التجاري الذي لا يحمل فكراً وإنما يحمل عنفاً وأفكاراً سلبية أفلام الكرتون صناعة قائمة بذاتها، يُقلل البعض من أهميتها ربما في التعاطي الثقافي لأنها تعني الأطفال، وبالنسبة للكثير فإنها كلها سيان ولذلك نرى أطفالنا وقد أصبحوا عالة على توم آند جيري وكأنها الكرتون النموذج الذي يرد إلى الأذهان مجرد أن نذكر "كرتون أطفال" والنموذج الأخلاقي الذي نريد أطفالنا أن ينشأوا عليه في علاقاتهم ببعضهم البعض. وتنعكس هذه النظرة القاصرة على نشر هذا النوع من الأفلام في كل محفل يخص الأطفال، حلاق شعر، محل ملابس، محل ألعاب، استراحة أطفال ونساء في مطعم، مستشفى، سوبرماركت، حتى الحضانات والروضات لا تخلو من توم آند جيري. في هذه العجالة أود أن أتحدث عن صناعة أفلام كرتون الأطفال ليس عن تاريخها الطويل في التحول من التحريك السريع لشرائح مرسومة إلى استخدام الكمبيوتر في التحريك إلى بعدين وثلاثة أبعاد، فهذا تاريخ ثري بالتجارب والمحاولات حتى تخرج إلينا اليوم برامج يومية لا تحصى من أفلام الكرتون والشخصيات الكرتونية وقصصها التي تملأ حياة الأطفال خيالاً ومتعة. ما أريد تناوله هنا هو تسليط الضوء حول العملية المعقدة التي تحيط بأفلام الكرتون التربوية والغائبة في مجملها عن وعي الأطفال والمسؤولين عن ترفيه الأطفال على حساب الكرتون التجاري الذي لا يحمل فكراً وإنما يحمل عنفاً وأفكاراً سلبية، وربما أرخص ثمناً. وأيضاً لن أتحدث عن العملية الإنتاجية أو التسويقية او الصناعية لفيلم الكرتون لكن بشكل عام يمكن القول بأنه نظراً للتقنية الحاسوبية الحديثة فإن كثيرا ًمن الوقت الذي كان يستغرقه الرسم اليدوي قد تحول إلى آلي وتوفر للتركيز على الأفكار. وما يدفعني لهذه المقدمة هو خبرتي البسيطة التي تكونت خلال السنوات الست الماضية من خلال متابعة الأفلام الكرتونية التي أنتقيها مع زوجي لتناسب أطفالي فأصبحت على متابعة بما يجذب الطفل، وما يثري حصيلته/ها اللغوية والفكرية والخيالية. فكما يمكن أن نتوقع فإن قادة هذا الفن هم مخترعوه في الغرب والشرق ونحن تابعون لما ينتجه السوق ونقوم بترجمة القليل القليل فقط. ويمكن القول إن بعض القنوات نجحت في اختياراتها وترجماتها مثل قناة براعم وبعضها ما زال يتلكأ ويفتقد الرؤية التربوية مثل قناتنا أجيال أو حتى إم بي سي 3، ولكن اختيارات قنواتنا ما يزال موضوعا آخر. بينما أريد هنا أن أتحدث عن المجهود الذي يُبذل في كتابة نصوص وأفكار أفلام كرتون الأطفال في الغرب. أريد أن أضرب مثالاً واحداً في أفلام "صغار آينشتاين" Little Einstein فهذه حلقات حول أربع شخصيات لطفلتين وطفلين ومركبتهم الفضائية التي اسمها روكت، وأهدافها التعليمية تدور حول الفنون الموسيقية والتصويرية، فكل حلقة تتخذ لحناً موسيقياً لأحد الموسيقيين الكبار، بتهوفن، باخ، موزارت، أو حتى ألحان قبائل إفريقية أو قبائل جزر المحيط الهادي أو غيرها، أي أنها لا تنحصر في الموسيقى الغربية، بالإضافة إلى إحدى لوحات الفنانين الكبار من دافنتشي إلى فان جوخ أو مونيه أو غيرهم. وكما نرى فإن هذه مفاهيم من الصعب ترجمتها إلى قصة للأطفال لأن طريقة عرضها لا تقوم على تقديم المعزوفة واللوحة فحسب، بل تُقدم بشكل يبدو معقداً كقصة تستخدم فيها الموسيقى كلغة تواصل، لكنني اكتشفت أن قدرة الأطفال على استيعاب هذه المعاني ممكنة وأفضل من توقعاتنا نحن الكبار. ولكل قصة هدف تدور حوله وتنتهي إلى إيصاله للطفل أو الطفلة فضلاً عن المعلومة التي أضيفت إلى حصيلتهم. وكل شخصية من شخصيات الأطفال الأربعة بارع في فن من الفنون، عزف الآلات الموسيقية، الغناء، الرقص التعبيري وقيادة الأوركسترا، أما روكت المركبة الفضائية فهي ذات شخصية متفاعلة مع الأطفال تطير بهم إلى كل مكان، ويمكن أن تتحول إلى غواصة وإلى مركب وإلى طائرة ومركبة فضاء. ولركوب المركبة تقاليد من ربط الأحزمة ومساعدتها في الانطلاق يشارك فيه الأطفال المشاهدون، كما أن هناك حواراً يدور مع الأطفال في فواصل مختلفة من القصة وتنتهي كذلك بأن يصفق الطفل لنفسه أنه ساعد الأصدقاء الأربعة ومركبتهم في أداء مهمتهم التي انتهت بنجاح. قصة من القصص تروي أن فراشة لم تُدع على حفل تقيمه جماعة الفراشات احتفالاً بنجاح سفرتهم من الشمال إلى جنوب أفريقيا (معبرة عن هجرتهم السنوية) فلم تتلق هذه الفراشة التي كانت نائمة، الدعوة واكتشف الأصدقاء القضية وأخذت الفراشة تعبر عن ذلك بلحن حزين كان يتكرر ثم يتطور حسب انفعالاتها المختلفة من الحزن الى الأمل إلى التحدي، إلى السعادة بالوصول إلى بقية أهلها. ويتخذ الأصدقاء من إيصال الفراشة إلى أهلها هدفاً ومهمة يحققونهما من خلال محاولات وخطة عمل يدخل فيها السلّم الموسيقي كوسيلة بكل تفاصيله عابرين أثناء ذلك أجواء لوحات عالمية تذكر في نهاية الحلقة بإلقاء التحية إلى كلّ من الموسيقي والفنان الذي استخدمت ألحانه ولوحاته في الحلقة. هذا كان ملخصاً لحلقة واحدة تستغرق حوالي عشرين دقيقة يمضيها الأطفال بكل انشداه وحماس دون ملل وبكل تفاعل فيقومون عن المقاعد ويؤدون الحركات والطلبات الجماعية التي يطلبها منهم الأصدقاء لمساعدة من يحتاج مساعدة في القصة بالقفز أو الربت أو ترديد المصطلحات المعقدة وراءهم حتى ينجحوا في مهمتهم. من الواضح ان التجهيز لحلقة واحدة من هذه الحلقات يستغرق أسابيع إن لم يكن شهوراً، ويحتاج فريق عمل كبيرا يتسم بالإبداع من جانب وبقدرتهم على فهم عقلية الأطفال وخيالهم ومحركاتهم من جانب آخر، فضلاً عن وضوح الأهداف التربوية التي يوصلونها بأشكال غير مباشرة تتكرر بأشكال مختلفة في كل حلقة. وكل هذا دون أي عنف حركي أو لفظي أو إسفاف فكري أو تمييز عنصري أو استخفاف بذكاء الطفل وقدرته على الفهم والمتابعة. كان هذا استعراضاً لشخصية واحدة من الشخصيات الكرتونية التي تعج بها الأفلام الترفيهية الهادفة مثل بارني وبوب البناء ودورا المكتشفة وميكي ماوس كلوب هاوس وويني ذا بوه وتقاطع الغابة، والأرقام العجيبة أو نومبرز جاك، أو مغامرات الخضار أو سيرك جوجو أو آل ماع وغيرها من أجمل البرامج التي نحتاج إلى أن نشارك في إبداعاتها وتكون نموذجاً في الجهد الذي نبذله من أجل أطفالنا والقيم التي نريد أن نوصلها إليهم.