ذات ليلة فكرت في العودة إلى الماضي. إلى ماضي وطني وأقصد الوطن العربي، منذ الاتفاقية المدمرة اتفاقية (سايكس - بيكو). تم الوصول إلى هذه الاتفاقية في صورة سرية بين الدبلوماسي الفرنسي «فرانسوا جورج بيكو» والبريطاني «مارك سايكس»، وكانت على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارات خارجية فرنسا وبريطانيا وروسيا القيصرية آنذاك. تم الكشف عن الاتفاق بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأحرج فرنسا وبريطانيا وكانت ردة الفعل الشعبية - الرسمية رفضها وسوء النية فيها. حيث جرى تقسيم الهلال الخصيب بموجب الاتفاق، وحصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال «سوريا ولبنان ومنطقة الموصل في العراق. أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبي متوسعا بالاتجاه شرقا لتضم «بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما تقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنساوروسيا. ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا مينائي حيفا وعكا على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا، ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذي كان سيقع في حوزتها.. والموضوع معروف وقد يطول شرحه. ولا ننسى أنهم لم يعبؤوا - مع الاتفاقية السيئة السمعة – أن يعملوا شيئا آخر نستحقّه في مصلحة الأمة العربية وحياتها السياسية مثل: 1. إيجاد جهة من أهل الثقة تكون لها الصلاحية في سنّ الأنظمة والرقابة على الجهات التنفيذية بما في ذلك على المال العام وأداء الدواوين العامة (قصدي الدوائر) 2. محاربةُ الفساد المالي والإداري، ومنع استغلال النفوذ ومقاومة الإثراء غير المشروع، بهيئة ذات أظفار وأنياب.. 3. برنامج لحلّ مشكلات الشباب والأسر ذات الدخل المحدود ووضع الحلول للقضاء على البطالة وإلغاء المحسوبية والعمل بمبدأ تكافؤ الفرص وتوفير المساكن وحل مشكلة السكن وارتفاع غلاء المعيشة. 4. تشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني. 5. الإفراج عن مساجين الرأي وعن من انتهت محكوميته و لم يصدر بحقه حكم قضائي، وتفعيل «الأنظمة العدلية». 6. إصلاح القضاء وتطويره ومنحه الاستقلالية التامة، وزيادة عدد القضاة بما يتناسب مع ارتفاع عدد السكان. 7. إطلاق حرية التعبير وفتح باب المشاركة العامة وإبداء الرأي، والإتيان بأنظمة مطبوعات مثالية ولوائح نشر حديثة.. لو تطرّق المنظران (سايكس وبيكو) لأشياء كهذه، وأرونا كيف نتعامل معها، لكان الزعماء العرب الآن على سرر متقابلين لا تزعجهم الحراكات في كل ركن وزاوية.