اختار لي أبواي اسم «فيكتور» تيمناً بنصر الاتحاد السوفيتي على هتلر، وأنا فخور باسمي. لا أرى ثمة سبباً لإثارة الشك حول المغزى التاريخي لذلك النصر، فالشعب الروسي الذي فقد الملايين من الجنود في الحرب، توحد على مدار السنين حول احتفالات بعيد النصر. لكننا، وفيما تمر الذكرى السنوية الستون لنهاية الحرب العالمية الثانية، فإننا نرى من الخلافات العميقة أكثر مما نرى من الاحتفالات، بين ملايين البشر، وحتى بين الدول . وقد دعت موسكو ضيوفاً أجانب متميزين لإحياء هذه المناسبة، اختارت الاحتفال بالنصر بأسلوب عسكري حقيقي، مليء بجيش يحمل البنادق ودوريات شرطة خائفة من الهجمات الإرهابية أكثر من أي وقت مضى. من هو بالضبط الملوم في هذه المفارقات المؤلمة؟ في تصريحه الأخير، جاءت الإجابة فعّالة من الرئيس فلاديمير بوتن نفسه، بأن المسألة تكمن في أن انهيار الاتحاد السوفيتي كان «أكبر كارثة جيوبوليتيكية شهدها القرن». بمهارة وإتقان، قسّم الكرملين الحالي تاريخ الاتحاد السوفيتي إلى قسمين، أشبه بتقسيم حزمة من خشب البتولا بفأس. فتخلص جانباً من التجربة الشيوعية في البلاد كطوباوية غير عملية، وبدأ يمجد العنجهية الإمبريالية لروسيا السوفييتية. وبعبارة أخرى، ما حدث هو تقريباً عكس ما عمله خروتشوف في الخمسينيات عندما ضحى ، باسم لينين، بدولة ستالين الديكتاتورية. فالكرملين يضحي الآن بلينين باسم المارشال ستالين . الانشقاق كلمة لها وقع فظيع في روسيا، حيث جرى تقسيم المسيحيين مرة إلى «المؤمنين القدماء» وأتباع الكنيسة الأرثوذكسية الإصلاحية. والآن تثير المعركة على تفسير التاريخ الروسي انشقاقاً في المجتمع. نصف السكان في روسيا، من المسنّين، والفقراء، والذين لم ينالوا نصيباً جيداً جداً من التعليم، والمستائين من البريسترويكا، جميعهم يرون في زحف إعادة الاعتبار إلى ستالين عودة إلى القيم الحقيقية. وهم مستعدون لتشييد نصب تذكارية لستالين المنتصر في جميع أنحاء البلاد. لا تشوشهم جرائمه السياسية، التي يجدون لها أحياناً مبررات بعيدة كل البعد عن الفهم. ومنطقهم في ذلك أشبه بقرار مفاجئ لليهود بتشييد نصب تذكاري لهتلر. لكن، النصف الآخر من روسيا اليوم، الذي صار أغنى بعد تجربة البريسترويكا، يعرف أكثر عن جرائم ستالين مما كان يعرف حتى منذ 15 سنة. إن روسيا المتنورة تؤكد أننا فزنا بالنصر على الرغم من وجود ستالين. فهي تكرهه لإرهابه، ولفشله في الإعداد للحرب، ولاستخدامه الجنود حطباً للحرب، ولأمور كثيرة أخرى. إن روسيا المتنورة ترى في الديكتاتورية الستالينية ونظام هتلر وجهين لعملة واحدة. لكن الكرملين، بتهور، وبدون ذكاء خارق، يسترضي نصف روسيا الجاهل والمتخلف اجتماعياً، ويرفض فهم أن ما من مستقبل لهذه الكتلة. وباختصار، فإن الانقسام قاد روسيا إلى حرب أهلية أيديولوجية. إن روسيا بوتن، إذ تتبنى أفكار الاتحاد السوفيتي كتراث لها، فإنها تدخل في نزاع فكري مع جيرانها الغربيين. يؤكد الكرملين مرة أخرى مبرره التاريخي لميثاق مولوتوف - ريبينتروب، الذي أذن لألمانيا بغزو بولندا مقابل هيمنة سوفييتية على فنلندا وكثير من دول البلطيق، وينكر أن دول البلطيق تعرضت للاحتلال. وهو كذلك يحاول ثانية تمرير مذبحة الجنود البولنديين في كاتين فوريست في العام 1940 (بعد فترة من إقرار يلتسين بذلك علانية) واغتصاب الجنود مئات الآلاف من النساء في المناطق التي حررها الجيش الأحمر. لا يبدو أن الكرملين يفهم أنه لم يعد لديه أي دولة تدور في فلك حلف وارسو، تهلل لأي حركة يقوم بها. بل إن جيران روسيا الآن مستاؤون من الطريقة التي عاملهم بها الاتحاد السوفيتي، وهم أعضاء جدد في حلف الناتو، ويعجبهم أنهم لم يعودوا يهابون الكرملين بعد الآن. إنهم حانقون، على وجه حق، من أن يقدم الكرملين اليوم نسخة قديمة من التاريخ في عبوات جديدة. تؤدي الخصومات السياسية إلى شجارات فضائحية. وأشعر بالأسف لرغبة بعض السياسيين البولنديين بتسمية ميدان في وارسو باسم الزعيم الانفصالي الشيشاني المقتول جوهر دودايف. وضعي أقرب إلى موقف البولنديين الذين يؤمنون أن الاتحاد السوفييتي بإخضاعه بولندا، أنقذها من انقراض قومي كان يعتزمه هتلر. لكن روسيا إذا واظبت بعناد على أن تعتبر من أولوياتها وضع كل ما كان ذات مرة مفيداً سياسياً في كفّة القوة الستالينية، فإنني أخشى أن تفقد القدرة على التمييز بين انتصاراتها وهزائمها. لم تكن روسيا يوماً معزولة أيديولوجياً عن أوروبا كما كانت في عيد النصر هذا. ٭ (خدمة نيو يورك تايمز خاص بالرياض)