قطاع المنشآت المتوسطة والصغيرة يمثل واحداً من الركائز الأساسية في أي اقتصاد، وذلك نظراً لهيمنة منشآته على غالبية الأنشطة العاملة في السوق، إضافة لإسهامه المهم في إجمالي الناتج المحلي الذي يتجاوز في بعض الدول الخمسين في المئة، والمملكة بالطبع ليست استثناء من هذه القاعدة فالمنشآت المتوسطة والصغيرة تشكل في الوقت الحاضر نحو خمسة وثمانين في المئة من عدد المنشآت الاقتصادية العاملة في الداخل، وتصل مساهمتها في الناتج الإجمالي المحلي نحو ثلاثين في المئة، من هذا المنطلق جاءت فكرة برنامج كفالة تمويل المنشآت المتوسطة والصغيرة الذي بادرت وزارة المالية بتأسيسه في عام 1425ه وأسندت إدارته لصندوق التنمية الصناعية، من أجل تنمية وتطوير هذا القطاع وتفعيل حضوره في مكونات الاقتصاد الوطني، والعمل على تحقيق ذلك من خلال شراكة أساسية مع البنوك التي توفر التمويل اللازم ليؤدي هذا البرنامج وظيفته، استهدافاً لإنشاء وتطوير وتوسيع نطاق أنشطة المنشآت المتوسطة والصغيرة التي تعاني بالدرجة الأولى من مسألة التمويل، العائق الأساسي أمام تطورها وتوسع أنشطتها. لقد نما عطاء هذا البرنامج على مدى السنوات الماضية منذ نشأته من خلال تزايد عدد المؤسسات المستفيدة من خدماته، حيث وصلت كفالات التمويل إلى أكثر من ألفي كفالة، بعد أن كادت لا تتجاوز الخمسين كفالة في السنة الأولى من بداية نشاط البرنامج، واستفادت من خدماته نحو ألف وأربع مئة منشأة متوسطة أو صغيرة بقيمة إجمالية للكفالات تجاوزت الثمان مئة مليون ريال، مقابل اعتماد تمويل من البنوك بلغت قيمته الإجمالية أكثر من ملياري ريال، بل وعبر هذا البرنامج عن نجاح تجربته من خلال النسبة الضئيلة للمشروعات المتعثرة التي لم تتجاوز 1.5% من إجمالي عدد المنشآت المستفيدة من كفالة التمويل في البرنامج. لقد امتدت خدمات برنامج كفالة لتشمل مختلف الأنشطة الانتاجية والخدمية والتجارية في مجالات الصناعة والمقاولات وخدمات الأعمال وخلافها، إلا أن أكثر القطاعات استحواذاً على عدد المشاريع المستفيدة من البرنامج خلال الفترة الماضية من عمر البرنامج كان قطاع المقاولات وذلك بنسبة سبعة وأربعين في المئة من إجمالي الكفالات، مما يعكس استمرار المرحلة التي نعيشها في الوقت الحاضر، وهي مرحلة الإنشاء والبناء والتأسيس لعناصر التنمية في مجتمعنا. إن قطاع المقاولات التي استحوذت منشآته على خمسين في المئة من خدمات البرنامج يتركز ثلاثة أرباع المصنفين من مؤسساته وهي في الغالب منشآت كبيرة في مناطق الرياض ومكة المكرمة والمنطقة الشرقية التي تستأثر بالنصيب الأكبر من تواجد المقاولين، وقطاع الإسكان الذي يحتاج في هذه المرحلة من تنمية خدماته في المناطق البعيدة عن المدن الرئيسية للمقاولين أصحاب المنشآت المتوسطة والصغيرة، إلى جانب المطورين المحليين في تلك المناطق، يجعل الحاجة لخدمات برنامج كفالة وبالذات في حملته الترويجية بمرحلتها الرابعة الجارية حالياً التي تتوجه نحو تحفيز النشاط الاقتصادي في المناطق الأقل نمواً أكثر من ضروري، وذلك من أجل توطين خدمات الإسكان في تلك المناطق، سواء كان بناء وإقامة مشاريع الإسكان المحلية أو تشغيلها وإدارتها، فهذا مما سيسهم في دعم جهود وزارة الإسكان لتنفيذ برنامج الدولة الطموح لتوفير نصف مليون وحدة سكنية وما سيليه من برامج، وكذلك يعزز من الحراك الاقتصادي والتنموي بتلك المناطق، ويوفر مزيداً من فرص العمل للمواطنين وبالتالي يحقق الرؤية الاقتصادية والاجتماعية المشتركة لكل من برنامجي الاسكان وكفالة التمويل الوطنيين، فهذا في اعتقادي أجدى تنموياً من جلب شركات التطوير العملاقة من خارج الحدود أو حتى من الداخل، التي سوف تأتي لتجعل ذلك الحراك التنموي مرحلياً في تلك المناطق ومن ثم تشد رحالها لمناطق أخرى وتعود عملية التنمية في تلك الأجزاء من الوطن إلى سابق عهدها.