تتعرض بعض أسر الأيتام للعديد من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية من قبل الأوصياء، وتحديداً ممن تجاهلوا معنى الأمانة وثقلها، ليتخلوا عن واجباتهم ويتعاملوا معهم بكل قسوة وتجاهل، في الوقت الذي يلتمس لهؤلاء القصر حاجتهم للرعاية المعنوية والمادية من أبعد الناس، حتى وإن لم يكونوا أوصياء، فكيف إذ كان وصياً وقريباً ؟. الغريب أن هناك من استغل هذه «الولاية» لسحب أرصدة ومال الأيتام دون وجه حق، بل وتمادى أكثر بعدم اهتمامه بشؤونهم، وكذلك التهرب من أي طلب، وكأن الولاية بالنسبة له تنحصر في جمع المال والمال فقط!. «الرياض» تناقش مشكلة الولي والوصي غير الجدير بتلك المسؤولية، وإمكانية إسقاطها في حال تخليه عن متابعة الأيتام. اختيار غير موفق في البداية قالت «هاجر السالم» -أم لأربعة أطفال قصر-: بعد وفاة زوجي وقع الاختيار الأول على شقيقه ليكون هو الوصي على رعاية أبنائي والعناية بشؤونهم ومصالحهم التجارية، فهم جميعاً قصر وبحاجة لوجود من يحتويهم ويحتضنهم، مضيفةً أن المال والهدايا لا يفرحهم، بقدر ما تفرحهم نفس صادقة تشعر بمرارة ما هم فيه من فقد واحتياج، موضحةً أنه بعد مرور الأيام لم يكن ذلك الاختيار في مكانه؛ لأن أبنائي لم يجدوا من ذلك العم لا رعاية ولا اهتمام، إذ لم يسعَ يوماً لتفقد أحوالهم والسؤال عنهم، أو حتى متابعة دراستهم، وكم كان يؤسفني اعتذاره لأبنائي بانشغاله حين يطلبون منه اصطحابهم مع أبنائه للتنزه، ذاكرةً أن مصالحهم التجارية لم تعد كما كانت عليه في السابق؛ بسبب ما طالها من إهمال وتقصير. مشاركة وجدانية وأضافت أنه ليس كل قريب جدير بالثقة ويستحق درجة الوصاية والولاية؛ لأن رعاية اليتيم من أقاربه لا تتوقف فقط على رعاية ماله فحسب، بل هو في حاجة الى مشاركته وجدانياً في كل شيء، فنحن لا نطالب الأوصياء أو حتى أقرباء الأيتام بترك أعمالهم والتفرغ التام لهؤلاء القصر، ولكن نطلب منهم أن يدركوا أن فترة الغياب الطويلة عنهم سيكون لها أثر سلبي على علاقتهم، متسائلةً: ماذا سيخسرون لو حاولوا تخصيص أوقات للجلوس معهم للاستماع إلى مشاكلهم وإشراكهم معهم في أمورهم الحياتية، والمحافظة على أموالهم، إلى جانب توفير سبل الحياة الكريمة لهم؟، على الأقل من باب صلة الرحم والإحسان لهولاء الأيتام. لقاءات جافة وقالت «أم عبدالاله»: لجأت الى المحكمة مؤخراً لطلب إلغاء الوصاية على أبنائي من قبل عمهم؛ لأنه لم يكن يوماً أهلاً لتلك الرعاية، خاصةً بعد أن صرف أموالهم بغير وجه حق، مضيفةً أن المؤلم أكثر أنهم أصبحوا يشعرون بفقدانهم الدفأ العائلي، ورعاية وحماية أقرب الناس، حتى لقاءاتهم بذلك العم الوصي كانت لقاءات جافة لا تخلو من البرود، موضحةً أن ما دفعها الى اللجوء الى المحكمة هو تجاهل هذا العم لموعد عقد قران ابنتها الكبرى، بعد أن تم الاتفاق بينه وبين الخاطب، ففي ذلك اليوم الذي تم الإعداد للاحتفال به تخلى عن مسؤوليته وتغيب عن الحضور لأسباب غير مقنعة، مما أدى الى تأجيل الموعد بعد أن تم التحضير له من جميع التجهيزات. حبر على ورق وأكدت على أنها كانت تحاول أن تتغاضى عن ذلك التقصير والإهمال والتعدي على أموال أبنائها، بحجة خوفها من توتر العلاقات بينها وبين عم أبنائها، لكنها اليوم لا تجد حلاً آخر يحفظ لهم حقوقهم سوى طلب إسقاط الوصاية؛ لأنها كانت طوال تلك السنوات مجرد «حبر على ورق،» لم تحقق من ورائها أي فائدة تذكر، بل اتضحت النوايا أكثر مع مرور الأيام، وانكشف ما كان مستوراً!. د.هادي اليامي الأقرب فالأقرب وقال «د.هادي اليامي» -عضو هيئة حقوق الإنسان-: إن رعاية اليتيم هي قمة الإنسانية، لاسيما إذا أُعطي جميع أشكال الرعاية والحماية، سواء معنوية أو مادية، موضحاً أن الولاية ذات ارتباط وثيق بنظام الأسرة ومصالحها، وأن عمادها حرص الولي وقدرته على رعاية القاصر وصيانة حقوقه، مشدداً على أهمية أن يكون الولي ممن يتوافر فيه هذا الحرص والقدرة، مشيراً إلى أنه فى حال عدم إعطاء المشمول بالولاية حقوقه في المتابعة والرعاية والاهتمام، فإن للمحكمة سلطة نقل الولاية إلى الذي يليه في الرتبة، حيث بيّن الفقهاء أن الولاية على النفس يتولاها الأقرب فالأقرب من أقارب القاصر -العصبات- بأنفسهم على ترتيب الإرث والحجب، فمن كان مقدماً على غيره في الإرث فهو مقدم على غيره في الولاية. سلطة واسعة وذكر «د.اليامي» أنه إذا لم يوجد أحد من العصبات فتنقل ولاية النفس الى الأم، ثم إلى غيرها من الأقارب ذوي الأرحام، بترتيب خاص مفصل في كتب الفقهاء، مؤكداً على أن سلطة المحكمة في حماية القاصر -من عدم الرعاية الصادرة من الوصي السيء-، سلطة واسعة تضعها في يد من تراه، أهلاً لحماية القاصر ورعايته، لافتاً إلى أن الجمعيات الأهلية والهيئات الحقوقية بالمملكة معنية بإسداء واجب النصح كاملاً في تعريف العامة بهذه القضية، وكيفية حماية الشارع للقصر من الوصي غير المؤهل، فضلاً على ضرورة إقامة الدعوات «التلفازية» الموضحة لذلك، تحقيقاً لأوسع معرفة وأسدى نتيجة. بكل سرية وأكد الأستاذ «جزاء الدهاس» - المدير التنفيذي لمؤسسة كافل للأيتام بمكة المكرمة - على أن مسؤولية رعاية اليتيم مسؤولية ضخمة تتعدى كونها مهمة أخلاقية وإنسانية، فهي واجب إلزامي أكثر منه تطوعي، وينبغي تنبيه أوصياء ووكلاء الأيتام الذين يتغيبون عن أسر الأيتام، مما يعطل مصالحهم، مشيراً إلى أن دور المؤسسة هو تلافي مثل هذه الظروف التي قد تحيط باليتيم وأسرته في حال وقوع ظلم للأيتام وتعطيل لمصالحهم، حيث تتلقى المؤسسة بين الحين والآخر بعض الشكاوى ضد وكلائهم القائمين على مصالحهم، مبيناً أنه عندما ترد مثل هذه المشاكل يتم التعامل معها بكل سرية داخل قسم الرعاية الاجتماعية، ثم البدء الفوري بالتعامل مع الموضوع بشكل مباشر. مكاتب محاماة وأضاف «الدهاس»: «نسقت المؤسسة بفضل من الله مع مكاتب المحاماة، لاستلام مثل هذه الحالات والتعامل معها بطريقة نظامية، وفق أعلى معايير الجدية والحرص على الوصول بالأسرة إلى وضع قانوني يحفظ لها حقوقها وكرامتها، بعيداً عن ظلم وجور المتعسفين من الوكلاء»، ذاكراً أن المؤسسة تعالج جميع الحالات الواردة إليها من هذا النوع، ناصحاً جميع من استرعاه الله على ولاية الأيتام، أن يتقوا الله فيما ولاهم عليه من أمانة عظيمة وأمانة كبيرة، وقد حذر الله آكلي أموال الأيتام بقوله: «إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا».