مثل كلّ السعوديين لا أحب الكلاب، وأخاف منها حين تقترب لأكثر من متر ونصف.. وهذا الأمر يضعني في حرج حين أسافر للخارج وأضطر للتقاطع أو الوقوف قرب كلاب ترافق أصحابها.. وأذكر أنني اضطررت لركل كلب بضخامة النعيمي (لسيدة نمساوية كانت تملك البانسيون الذي أسكن فيه) فطلبت مني دون تردد البحث عن سكن آخر... وفي حين يعيش ربع سكان العالم تحت خط الفقر - وفي حين لا يتجاوز متوسط العمر في سيراليون 25 عاما - تعيش كلاب أوروبا في رخاء فاحش، ومتوسط عمر يفوق ال30 عاما ؛ فحسب مؤسسة Mintel (لابحاث التسويق) نما سوق الحيوانات الأليفة في بريطانيا بنسبة 35% منذ عام 1996 وزادت أعمارها بسبب العناية الصحية والتغذية الجيدة ، ووصلت فيها مصاريف الكلاب السنوية إلى خمسة بلايين جنيه استرليني - الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن مجموع مصاريفها في كامل أوروبا !! .. أما في الولاياتالمتحدة فالأرقام مذهلة وغير مفهومة بحق ؛ فحسب بيانات الجمعية الامريكية للطب البيطري يعيش أكثر من 60 مليون كلب وقطة مدللة في بيوت الأمريكان (وهو مايتجاوز ضعف سكان الخليج) .. كما صرف الامريكان هذا العام 37 بليون دولار على حيواناتهم الأليفة، في حين لم يصرفوا اكثر من 6 بلايين دولار على طعام أطفالهم.. وتنتشر في المدن الامريكية فنادق فخمة ومنتجعات راقية للعناية بالكلاب والقطط.. وفي لوس انجلوس يوجد أفخم منتجع للقطط في العالم (ويدعى كاليفورنيا كات كيرسنتر) يضمن حياة سعيدة لأي قطة مقابل 500 ألف دولار في العام .. وفي استطلاع شمل اربعة عشر ألف مواطن قالوا 38% إنهم يفدون كلابهم بأرواحهم و79% إنهم يسمحون لها بالنوم معهم، واعترف 37% أنهم يحملون صورها في محافظهم وقال 31% إنهم غابوا من أعمالهم حين مرضت كلابهم!! ... وتزداد حيرتنا أكثر حين نسمع عن ترك ثروات حقيقية لها لدرجة أن فقراء العالم يتمنون "النباح".. فالسيدة اليناور ريتشي مثلًا (حفيدة ملك النفط فيليب باير) أوصت بكامل ثروتها لصالح 150 كلباً كانت تعتني بها . وجاء في وصيتها أن تحتفظ الكلاب بكامل العقارات والأرصدة وأسهم النفط حتى وفاة (آخر كلب فيهم) تنتقل بعدها التركة وما تبقى من الثروة الى جامعة أوبرن.. وهكذا تحتم على الجامعة المحترمة الانتظار حتى عام 1984 (حين توفي آخر وأغنى كلب في أمريكا) قبل ان تنتقل الثروة اليها!! وما فعلته اليناور ريتشي فعلته لاحقا الممثلة الأمريكية بيتي وايت (التي تركت لكلبها خمسة ملايين دولار) والمليونيرة دوريس دووك (التي تركت لقططها تسعة ملايين) والمغني البريطاني دستي سبرنجفيلد الذي أمّن على حياته (لصالح كلبه) بثلاثة ملايين جنيه استرليني !! .. كلّ هذا يزيد من حيرتنا حيال تعلق المجتمعات الغربية بالحيوانات المنزلية - ودور العزلة الاجتماعية في مفاقمة الظاهرة هذه الأيام.. فرغم أن الرحمة بالحيوانات موجودة لدينا، ورغم أن ديننا الإسلامي يحث عليها؛ ولكن أن يصل الأمر الى ترك ثروة باسمها، أو السماح لها بالنوم معنا فهذا ما لا نفهمه ولا نستوعبه.. وتبلغ حيرتنا أقصاها حين تُستنفر كل الجهود لإنقاذ قطة علقت بشجرة، أو كلب سقط في حفرة، في حين يتم تجاهل قتل أطفال فلسطين أو تشريد أطفال سيراليون أو موت 380 مليون رضيع بسبب الجفاف وسوء التغذية فقط!!