تكتظ مسارح نيويورك في فترة الصيف بالممثلين المشهورين الذين يشاركون في عروضها. منهم من هجرته السينما فهرب للمسرح، ومنهم من بدأ في المسرح ويحب العودة إليه بين فترة وأخرى ، ومنهم من يستغل المنتجون نجوميته السينمائية ليجذب جمهور الصيف للمسرح، ومنهم من يعشق الوقوف على خشبة المسرح فيهرب لتحدياتها بعروضها الجماهيرية المباشرة. روبن ويليامز تصدر عرضا مسرحيا مختلفا عن العروض المسرحية الموسيقية الخفيفة التي تجذب السياح، هذا العرض المسرحي بعنوان (النمر البنغالي في حديقة حيوانات بغداد) والذي يبدو من عنوانه أنه معقد، يحكي لك بطريقة محايدة فيها كثير من الانسانية قصص الجنود الأمريكيين في بغداد وشيئا من قصص اهالي بغداد ومن حكمها. روبن ويليامز هو نمر بنغالي بقي في حديقة الحيوانات ولم يهرب منها كبقية الحيوانات فانتدب جنديان أمريكيان لحراسته ليقتله أحدهما بمسدس ذهبي سرق من احد قصور بغداد، ومن هنا تبدأ القصة بمقتل بطل المسرحية ومحور عنوانها. لنتابع النمر البنغالي كشبح يدور في شوارع بغداد مع أشباح كثيرة تطارد ما تبقى من البشر. لكل شخصية في المسرحية شبح يطارده يذكره بماض حاول ان ينساه او ذكرى مؤلمة هرب من تفاصيلها. الألم والخوف وأسئلة فلسفية كثيرة عن الخير - إن وجد - والشر الواضح امام العيان، عن الوجود الانساني - نعم الانساني - لهذا النمر بكل صراعاته الداخلية والتي لا تختلف عن صراعات كثيرين من البشر حوله أخذت منهم الحرب ولم تعطِ. في بغداد وفي احدى حدائقها المشهورة تتجمع الأشباح لكل منها همّ يسكنه وشبح يطارده، وهو أيضاً شبح يطارد آخر. في النهاية كل منهم يعاني من نفس المشكلة ونفس المخاوف ونفس الأخطاء ونفس المعاناه وإن تغيرت التفاصيل. كيف تتشابه هذه الأشباح مع من تطارده وتسكن خياله ومخاوفه ولا تختلف عنه؟ الفكرة قد تكون مجنونة لكنها تتحدث عن عالم اكثر جنونا في واقعه. روبن ويليامز مبدع في تجسيده لشخصية النمر البعيد عن بيئته في مكان غريب ضحية حرب لا يفهمها لا يحتاج لزي تنكري كي يقنعك انه نمر فهو بلحيته الكثة، وملابسه العادية جسّد شخصية النمر بإتقان وكل الشخصيات الاخرى كانت مكتوبة بعناية لتوصل رسالة تجعلك تفكر بين كل ضحكة وأخرى، وبين كل تعليق وآخر في البعد الانساني للمسرحية..