قبل نحو 13 عاماً كنت قد انتقلت بالتنسيق مع الزملاء ب «الرياض» إلى ما عرف حينها ب «برمودا الدهنا» أو مثلث الموت بين القصيموحفر الباطن تلك البحور المائجة من الرمال التي كان يحاول بعض المسافرين اختصار الطريق من خلالها من حفر الباطن إليها أو قاعدة الملك خالد العسكرية صيفا، فتبتلع مركباتهم الرمال ويموتوا إلى جوارها في قصص مأساوية مصورة، طالت أسرا وأفرادا نشرتها «الرياض» ولاتزال عالقة في أذهان كثير ممن قرؤوها معتبرين ذلك الجهد من «الرياض» ضمن جهود بذلت لنقل واقع ما يحصل هناك وايصال صورة واضحة للمسئولين الذين جاءت استجاباتهم على الفور ونفذ واحد من أهم الطرق هو طريق القصيم - ساموده - حفر الباطن أو ما يعرف بطريق (قبة) وذلك منذ 6 سنوات تقريبا ليقدم خدمة كبيرة لسكان القصيموحفر الباطن مع موظفي قاعدة الملك خالد العسكرية بالحفر ويشمل الحجاج والمعتمرين والقادمين من الشام والعراق ودول الخليج إلى المقدسات ويتحول إلى طريق اقليمي يشترك مع طرق رئيسية ودولية يربط بين أغلب المناطق، لكن عيوبا تصميمية واستراتيجية تمثلت في تصميمه كطريق مفرد باتجاهين متعاكسين مع ما واكب ذلك من غياب مروري واسعافي شوهت هذا الجهد وابقت صور تلك القصص المفجعة قبل التنفيذ، وبدلا من اولئك الذين كانوا يفرون تاركين مركباتهم تغوص في امواج الرمال الزاحفة في لحظة يأس بحثا عمن ينقذهم أو ينقذ اسرهم الذين تركوهم في المكان، حل مكان تلك القصص القديمة (فواجع الحديد والنار) على هذا الطريق الذي تسجل اغلب حوادثه وفيات حتى اصبح الذاهب مفقود والعائد مولود واستمر مسلسل الاثارة المؤلم بكل مراراته يرفع احصائيات الحوادث من الوفيات وفق ما يرد من بعض المستشفيات إلى ارقام مخيفة فضلا عن الكسور والتشوهات والاعاقات والتلفيات الاخرى واذا كان يموت في قصص برمودا الدهنا قبل 13 عاما واحد أو اثنان أو ثلاثة في حادث تيه واحد، فان الطريق بظروفه الراهنه وتسليمه في وقت لم تستعد له المنطقتان التي يربط بينهما تسبب في فناء اسر بكاملها هزت المناطق المجاورة وهي غيض من فيض تابعتها «الرياض» وتحققت منها نكتفي بما حدث في غضون قرابة سنة واحدة اولاها لتلك العروس التي كانت عائدة مع والدتها وشقيقها بفستان فرحها من بريدة إلى قبة في انتظار يوم الغد وفجأة تصطدم سيارتهم بأخرى وتموت الأم والشقيق والطرف الثاني وتنقل العروس إلى العناية المركزة على خلفية كسور مضاعفة وتشوهات خطيرة في الوجه والأطراف. حوادث وقعت على بعض أجزاء الطريق كوارث وأحزان العقيد عبدالعزيز العوفان مدير شرطة لينة فقد اربعة من ابنائه بنتان وولدان في حادث واحد ماتوا امام عينه ووالدتهم بعد أن شاء الله نزول طفله البالغ أربع سنوات من السيارة التي كانت تقل الأبناء ليركب وقبل 9 دقائق فقط من وقوع الحادث مع والده ووالدته الذين كانوا يرافقونهم على سيارة أخرى من دون ان يتمكن من عمل أي شئ. قصاصة من تحقيق نشرته «الرياض» قبل أكثر من 13 عاماً أوضحت خلاله أهمية سفلتة الطريق حادث مات فيه 11 فردا عشرة منهم كانوا من أسرة واحدة عند ما اصطدمت مركبتهم وجها لوجه بسيارة مقابلة واحترقت السيارة التي كانت تحتجز من فيها أمام ناظري رب الاسرة الذي كان يرافقهم بسيارة أخرى، والذي كان يسمع صراخ استغاثتهم داخل السيارة فيستغيث هو بالدفاع المدني والهلال الأحمر ثم يبلغ أنهم على مسافة لا تمكنهم من الوصول للموقع في أقل من ساعة ونصف فيكتفي بحثو التراب على النار لتموت الأسرة وتتفحم الجثث التي استحال التعرف عليهم عدا (أم شابة) وجدت متفحمة مع طفليها الذين كانوا يلتصقون بها في وضع احتضان أموي، فجمعت الجثث العشر المتفحمة في كيس واحد لا يتجاوز وزنه عشر كيلوغرامات حتى يصلى عليهم ويدفنوا جميعا. آخر الحوادث الجماعية التي وقعت قبل بضعة اشهر ما ذكره ل «الرياض» مفرح القحص، وكان لإسرة واحدة مكونة من عشرة افراد ماتوا جميعا بالقرب من سامودة. الخلل المشكلة الرئيسة تكمن كما اشرنا في تصميم الطريق مفردا باتجاهين متعاكسين مع الكثافة الهائلة لحركة المسافرين مع ما تشكله مدينة الملك خالد العسكرية من ضغط على الطريق خصوصا في العطل الرسمية وعطلة نهاية الاسبوع كذلك اختراق الطريق لأكبر المساحات الرعوية بين القصيموحفر الباطن مع ما تسببه الابل من اعتراض للطريق ليلا وتجمع الرمال المتحركة على المسارات بطريقة مفاجئة بفعل الرياح وانعدام خدمات الطوارئ والاسعاف (الفاصل بعد قدرة الله بين الموت والحياة) والمتمثلة بالهلال الاحمر والدفاع المدني، فعلى سبيل المثال يبعد مركز الهلال الاحمر في الأسياح بالقصيم عن أقرب مركز أو فرقة هلال أحمر توجد عند مفرق البطيحانية مسافة 240 كم تقريبا وتغطي طريق الرياض - حفر الباطن وطريق سامودة - لينة وساموده - القصيم ومثل هذه المسافة تقريبا بين اقرب مركزين للدفاع المدني «240 كم» التي تحتاج حتى تصل لبعض مواقع تغطيتها وقتا طويلا غالبا بعد انقضاء الامر بعد ساعة ونصف من البلاغ وبعد ان يحمل وينقل المصابين من المسافرين بطريقة خاطئة أو تتفحم المركبات المشتعلة بمن في داخلها. آخر الحوادث الجماعية 31 متوفى يمثلون ثلاث أسر في ثلاثة حوادث فقط الغياب الأمني مشكلة أخرى هي غياب التغطية المرورية والأمنية في المسافة الأكثر خطورة خصوصا المرور وأمن الطرق فيما بين المنطقتين وعدم وجود نقطة أمنية ثابته على طريق يفضي إلى شبكة من الطرق الرئيسة ويعتبر مصبا للعديد من الطرق والدروب الصحراوية الخفية المتصل بعضها بحدود بعض الدول المجاورة وتسهل الوصول اليه عبر هذه الطرق وقد يستغل ذلك من قبل جماعات التهريب والفارين وقد سبق حدوث عمليات ما يشبه الاعتراض للمسافرين على هذا الطريق خصوصا أن جزءا من الطريق غير مغطى بخدمات الاتصال. اضافة إلى عوامل تسببت في التقليل من فاعلية محطة وزن الشاحنات التي بدأت عملها منذ قرابة السنتين الا ان بعض السائقين المتجاوزين الأحمال يرفض التوقف عند الميزان أو يلجأ لاسلوب المخاتلة وهو يعرف أن باستطاعته عبور الطريق من دون أن يسأل والوصول إلى مبتغاه ما حول الطريق إلى ملاذ آمن لأصحاب الشاحنات المتجاوزة فتسببت في تدمير الطريق ورفع نسبة الحوادث. أب يسمع أنين أبنائه ويستغيث بالدفاع المدني ليتبلغ بعدم إمكانية الوصول قبل ساعة ونصف! ختاما فانه مع وصول بشائر قرب افتتاح مركز للدفاع المدني بمدينة قبه ووعود أمن المرور بافتتاح مركز مماثل قبل رمضان تظل المعالجة الجذرية للمشكلة هي الأهم وهي ازدواج وتسييج الطريق وأخراج بعض أجزاء الطريق من المدن والمحافظات مثل الأسياح وقبه عبرالطريق المقترح الذي يختصر المسافة ويجنب المسافرين الزحام والمزاحمة يأتي بعد ذلك الحاجة إلى تغطية الطريق بالخدمات الاسعافبة والامنية، وايجاد نقطة تفتيش ثابته في منتصف الطريق والى ذلك الحين فان أي دم سيسيل أو نفس تزهق بسبب مذابح طريق قبه - سامودة، هو وجع وحزن سيؤرق المسئول.