نقطّب جراحنا بالشعر بلسماً ، ونعالج داءاتنا ، وأوجاعنا ، وهزائمنا بالكلمة الصادقة التي رُسمت بالدم ، والمأساة ، ونلجأ عندما تنغرس السكين داخل فوهة الجرح وتحركها الأيادي الشيطانية ، نلجأ إلى " ديوان العرب " نبحث عن أولئك المبدعين الخلاقين القارئين واقع الأمة ومآسيها، المستشرفين مستقبلاتها ، الحالمين بغدها المأمول ، وإعادة تاريخها ، وأمجادها في صناعة المعرفة ، والتنوير ، ونتلمس الطرق إلى أوجاع الرصافي ، والجواهري ، وبدر شاكر السياب ، وأمل دنقل ، والعشرات ممن حملو الصخرة على أكتافهم ، وعاشوا همّ الأمة مع القوافل المهاجرة الضائعة في متاهات الحزن ، والتشرد، والتيه ، والغربة . ونعيش معهم وجعاً جديداً في فيء الكلمة وصدقها . بالأمس عدت إلى " بدوي الجبل " الشاعر الكبير القادم من رحم الألم والمعاناة محمد سليمان الأحمد ، وقرأته بوجعه قبل ثلاثة عقود من الزمن المفجع ، وهو يصرخ داخل مأساة أمته ، ويصورالتراجيديا بنزف أسطوري . وهو القادم بإباء من جبل العلويين في الشام ، فكانت الأبيات التالية سكوتاً لي ، وحديثاً صارخاً عن الحال ، فاكتفيتُ بها في زاوية اليوم . بدعة الذلّ حين لا يذكر الإن سانُ في الشام أنّه إنسان بدعة الذلّ أن يصاغ من ال فرد إله مهيمن ديّان أيّها الحاكمون ما ضاعت الحجّة منكم ولا انطوىالبرهان حقّ هذي النفوس أن ترفع الأصنام فيها وتعبد الأوثان ** ** ** نحن أسّرى ، وحين ضِيم حمانا كاد يقضي من حزنها المأسور كلّ فرد من الرّعية عبدٌ ومن الحكم كلّ فرد أمير ومع الأسر نحن نستشرف الأفلاك والدائرات كيف تدور نحن موتى! وشرّ ما ابتدع الطغيان موتى على الدّروب تسير نحن موتى ! وإن غدونا ورحنا والبيوت المزوّقات قبور نحن موتى يسرّ جارٌ لجار مستريباً : متى يكون النشور بقيت سبّة الزمان على الطاغي ويبقى لنا العلا والضمير ** ** ** محنة الحاكمين جهل ، ودعوى جبن فاضح ومجد عثور نهبوا الشعب ، واستباح حمى المال جنون النعيم والتبذير كيف يغشى الوغى ويظفر فيها حاكم مترف وشعب فقير مزّقوه ، ولن يمزّق ، فالشعب عليم بما أرادوا خبيرُ حكموه بالنّار فالسيف مصقولٌ على الشعب حدّه مشهورُ محنة العرب أمّة لم تهادن فاتحيها وحاكم مأجور إرجعوا للشّعوب يا حاكميها لن يفيد التهويل والتّغرير صارحوها فقد تبدّلت الدّنيا وجدّت بعد الأمور أمورُ لا يقود الشعوب ظلم وفقر وسباب مكرّر مسعور والإذاعات ! هل تخلّعت العاهر ؟ أم هل تقيّأ السكيّر ؟! صارحوها .. ولا يغطّي على الصدق ضجيج مزوّروهدير واتّقوا ساعة الحساب إذا دقّت فيوم الحساب يوم عسير يقف المتّهمان وجهاً لوجه حاكم ظالم وشعب صبور كلّ حكم له - وإن طالت الأيّام - يومان : أوّل وأخير كلّ طاغ - مهما استبدّ - ضعيفٌ كلّ شعب - مهما استكان - قدير وهب الله بعض أسمائه للشعب ، فهو القدير، وهوالغفور غفرالله لبدوي الجبل ، فقد رحل قبل أن يعيش مرحلة ذبح الإنسان ، والشعب.