فيما يتعلق بالتواصل يتفوق مراد اكين على كثيرين غيره من سكان جزيرة قبرص المقسمة.. فهو يمكنه التحدث مع سكان القطاع الآخر. فقد شاءت الأقدار أن يتعلم اليونانية إلى جانب التركية لغته الأصلية مما أعطاه ميزة في بيع التذكارات لركاب الحافلات من القبارصة اليونانيين الذين يزورون دير ابوستولوس اندرياس الارثوذكسي في القطاع الشمالي من الجزيرة الذي يتحدث التركية. وقال اكين (21 عاما) «أحصل على عمل كثير بفضل ذلك.. يمكنني العمل مع القبارصة اليونانيين». ونشأ اكين بالقرب من الدير على شبه جزيرة كارباز المنعزلة حيث بقي بعض القبارصة اليونانيين بعد التقسيم الفعلي للجزيرة عام 1974. وتعلم اكين وهو من أبناء أسرة مهاجرة من تركيا اللغة اليونانية من أصدقاء الطفولة. وهو من قلة نادرة على الجزيرة التي ظل سكانها على مدى عقود محاصرين داخل مناطقهم التي تتحدث بلغة واحدة دون حاجة ملحة أو ميل لتعلم لغة القسم الآخر. ورغم فشل العديد من المحاولات لإعادة توحيد الجزيرة إلا ان انضمام القبارصة اليونانيين للاتحاد الأوروبي ومساعي تركيا للانضمام إليه ابقت خطوات السلام في قبرص على جدول أعمال المجتمع الدولي. ومع فتح خط وقف إطلاق النار تحت إشراف الأممالمتحدة قبل عامين أدى تزايد السفر بين القسمين إلى بدء محاولات لرأب الصدع اللغوي. وتاريخيا كان القبارصة اليونانيون والقبارصة الاتراك يعيشون جنبا إلى جنب. وكانت أعداد من يتحدثون اليونانية أكثر بكثير لكن العديد من القرى والبلدات كانت مختلطة وكان افراد كل قسم يعرفون ولو القليل من لغة القسم الآخر. وعلى مر السنين تطورت اللهجات اليونانية والتركية لتضم الكثير من المفردات المشتركة ولهجة مشابهة بدرجة كبيرة. لكن الصراع الداخلي الذي بدأ في الستينات دق اسفينا بين المجموعتين واحدث فصلا فعليا بينهما. وقال بولنت كانول من مركز الإدارة وهو منظمة تركية قبرصية غير ربحية تروج لتعزيز العلاقات عبر الحدود «بعد عام 1963 قسمت نقوسيا تماما... لم تتح لي الفرصة قط للقاء قبارصة يونانيين ولم اتعلم أي مفردات يونانية على الإطلاق». وتأكدت هذه العزلة بالتقسيم الفعلي عام 1974 عندما غزت تركيا قبرص ردا على انقلاب من جانب القبارصة اليونانيين يهدف إلى توحيد الجزيرة مع اليونان. وانتقل جميع القبارصة اليونانيين تقريبا إلى الجنوب والقبارصة الأتراك إلى الشمال. وفي الوقت الراهن نادرا ما تجد من يتحدث اليونانية في الشمال أو من يتحدث التركية بين الجنوبيين. ومن يفعلون يكونون عادة من كبار السن. ومازالت الانجليزية لغة المستعمر السابق واحدة من اللغات الثلاث الرسمية على الجزيرة لكنها بالنسبة لأغلب القبارصة ابعد ما تكون عن لغة مشتركة للتواصل. وقال كانول إن نطاق الفجوة في التواصل اتضح عندما فتح خط وقف إطلاق النار في ابريل نيسان عام 2003 مما سمح لكل جانب بزيارة الجانب الآخر لاول مرة من 29 عاما. وأضاف «مشكلة اللغة من المشكلات الاساسية في قبرص التي تواجه التواصل بين القسمين». وهذا ما جعل الإقبال يتزايد على دروس اللغة وبدأت العديد من المنظمات في العمل على توفيرها. وقال كانول إن نحو 150 شخصا سجلوا اسماءهم في دروس اللغة اليونانية التي ينظمها المركز الذي يعمل به لكن أعداد المتقدمين أكبر من سعة الفصول. وأضاف «بعض الناس يحتاجونها للتعاملات اليومية مع القبارصة اليونانيين لكن أغلبهم يحتاجونها للاعمال والبحث عن فرص عمل». وأشار إلى أن العديد من الدارسين يأملون في الحصول على فرصة عمل في المؤسسات الاتحادية بعد توحيد الجزيرة في المستقبل. ويعتقد أغلب الناس أن أعداد القبارصة الأتراك الذين يدرسون اليونانية أكبر بكثير من أعداد القبارصة اليونانيين الذين يدرسون التركية لأسباب عملية منها أن القبارصة الأتراك يمثلون الأقلية وان اقتصادهم في حالة أسوأ بكثير بعد سنوات من العقوبات الدولية ضد اراضيهم المنفصلة عن الدولة. لكن الاهتمام بدأ يظهر في الجنوب كذلك رغم ان الحماس فتر بعض الشيء بعد توهجه في بادىء الأمر. وقالت ماريا نيوفيتو وهي موظفة (35 عاما) «تركيب الجملة في لغتهم يجعل الأمر صعبا لكن هناك الكثير من المفردات والتعبيرات التي نستخدمها». وقال نيازي كيزيليوريك رئيس قسم الدراسات التركية في جامعة قبرص في جنوب نيقوسيا إن عدد المنضمين للقسم زاد هذا العام بمقدار الربع. وستطرح الجامعة قريبا اللغة التركية كمادة اختيارية للذين يدرسون مواد أخرى وستبدأ فصولا أخرى لغير المقيدين في الجامعة. واضاف «إنه مزيج من الفضول والاهتمام والأمان الوظيفي... القبارصة بدأوا لتوهم التحول إلى الثنائية اللغوية». وفي الشمال قال طلاب يدرسون اليونانية في مركز الإدارة إن ما دفعهم لذلك هو الاهتمام الثقافي والرغبة في التواصل مع القبارصة اليونانيين. وقالت عيشة كورناز (24 عاما) دارسة علم الاجتماع «نريد أن يكون لنا أصدقاء على الجانب الآخر».