يُعد العلاج داخل المستشفيات الحكومية ملكا للجميع، خصوصا حينما يتوقف تقديمه على إنقاذ حياة المريض، هنا تنتفي جميع الطبقات والأجناس والحدود، ويبقى المستوى الإنساني هو المحدد والمقوم للمبادرة لتقديم الخدمة العلاجية بداخل المستشفيات الحكومية، سواء كان هذا العلاج للمريض المواطن، أو الأجنبي، خصوصا الذين ينقلون للطوارئ في حالات مرضية صعبة كحالات الحادث المروري أو الكسور أو الحروق أو الاختناق. وعلى الرغم من أن ذلك مبدأ لا يمكن الحياد عنه سواء مع المواطن أو الأجنبي، إلاّ أن هناك حالات مختلفة يتم فيها تناوب الأدوار والاستحقاقات العلاجية بين المواطن وبين الأجنبي، الذي قد يدخل المستشفيات الحكومية ليحصل على جميع المميزات العلاجية، من كشف وعلاج وتوفير سرير له في غضون أيام، أو ربما ساعات، لإجراء عملية ما، في حال وُجد لديه تأمين طبي من قبل الشركة التي يعمل بها، في حين قد ينتظر المواطن لأشهر طويلة في ذات المستشفى لإجراء عمليته فقط؛ لأن المستشفى لا يتوفر به سرير، فيدور التناقض الغريب وغير المقبول بين ما يعرض من أسباب للتأخير في تقديم العلاج للمواطن، وبين ما يقدم من سرعة العلاج وتوفير الأسرة للتنويم للأجنبي، الذي يجد في مركز الأعمال الموجود بداخل المستشفى «العصا السحرية»، التي تأتي له بالحلول بتكلفة أقل من تكلفة ما يقدمه في القطاعات الخاصة من المستشفيات، وبخدمة مميزة قد لا تمنح للمريض المواطن. د. سامي العبدالكريم هناك تحايل في البداية قال «د. سامي العبد الكريم» رئيس اللجنة الوطنية الصحية بالمملكة بمجلس الغرف: إن النظام يمنح الحق للأجانب الذين يدخلون ضمن الكفالة الفردية، كالسائق أو العاملة الأجنبية والمزارع، وهم جميعاً يحق لهم العلاج على نفقة الدولة، مضيفاً أنه لم يوجد حتى الآن نظام يتعلق بالسماح للأجنبي للعلاج في المستشفيات الحكومية، إلاّ أنه لا يمنع من اختراق ذلك النظام إلا في حالتين: الأولى أن يكون العامل الأجنبي مؤمنا عليه سواء كانت بولصة التأمين غير شاملة وغير متبعة لنظام حدود التغطية التي نص عليها الضمان الصحي، أو أن يكون ذلك الأجنبي من الأفراد الذين لا يؤمن على منشئته سواء كانت منشئة تجارية أو صناعية، ويكتفى أن يأخذ الحد الأدنى التأمين من البولصات غير الملزمة وغير المطبقة للقوانين، أو أنظمة نظام الضمان الصحي، موضحاً أن هناك تحايلا على القطاع الحكومي، إلاّ أن هذا التحايل لا يأتي إلاّ بمساعدة من هم ينتسبون للمستشفى، فلا يمكن أن يحصل العامل الأجنبي على العلاج في المستشفيات الحكومية وليس لديه إقامة فردية على مؤسسة أو شركة أن يتقاضى العلاج إلاّ في حالة واحدة، والمتمثلة في الحالات الطارئة التي تؤدي إلى الموت، كحالة حادث مثلاً، فإنه يعالج عن حالته الحرجة، وحينما تستقر حالته فإن كفيله ينقله إلى القطاع الخاص. د. العبدالكريم: مركز الأعمال قرار فاشل! قرار فاشل! وأضاف أن المتضرر في ذلك هما القطاع الخاص والقطاع الحكومي، فالخاص يجد أن المريض الذي يملك تأمينا يختار العلاج على حساب الدولة، وفي ذلك خسارة كبيرة لهم، والمواطن يشعر أن الأجنبي أخذ مكانه في المستشفى الحكومي من ناحية العلاج، وتوفير السرير، والرعاية والأشعة، إلى جانب المختبر والصيدلة بذريعة التأمين، مؤكداً أن مركز الأعمال الموجود في المستشفيات الحكومية قرار فاشل جداًّ، إذ لم يكن قراراً ملزماً منذ البداية، بل كان قرارا لمدة خمس سنوات يتم تطبيقه تحت التجربة حتى يكشف عن إيجابياته أو سلبياته، ثم يعاد تقويمه بعد الخمس السنوات، ليتم البت في قرار بقائه أو بإلغائه من باب المصلحة العامة ووقف تبعياته، إلاّ أن ما حدث هو تضخم التنافس بين قطاع الأعمال، الأمر الذي أدى إلى إغلاق غالبيتها في وزارة الصحة، في حين بقيت في القطاعات الأخرى كقطاعات التعليم العالي والجامعات والحرس الوطني، وهما أكبر جهتين ضمتا مراكز للأعمال، ويوجد بها تنافس صريح جداًّ للقطاع الخاص من دون تكلفة. سعر أقل محمد الحسين وقال «محمد الحسين» الأمين العام المساعد للشؤون المالية والإدارية لمجلس الضمان الصحي التعاوني: إن السعر في أي بيئة عمل يبنى على الخدمات المقدمة، إلاّ أن جزءا كبيرا من تكلفة السعر ينظر إلى المراكز الطبية التي قد يتعالج بها العامل في أي قطاع أهلي، فحينما يرغب موظف أجنبي على سبيل المثال أن يتقاضى العلاج مع أسرته في مستشفى تخصصي حكومي، فإنه بطبيعة الحال تختلف تكلفة العلاج حينما يرغب بالعلاج في مستشفى خاص معروف لديه قسم تنويم، وتختلف كذلك عن مراكز صحية معتمدة صغيرة، مضيفاً أنه من الطبيعي أن يتفاوت سعر تكلفة العلاج، وأن هناك من الشركات التي تبحث عن السعر الأقل في التكلفة من بين الخيارات المتاحة في تعاقدها مع شركة التأمين، وبالتالي تحدد أربعة أو خمسة مراكز صحية ترغب بعلاج موظفيها بها، بما في ذلك بعض المراكز الصحية أو المستشفيات الحكومية، مشيراً إلى أن صاحب العمل هو من يسعى إلى التقليل من سعر التكلفة المقدمة من شركته إلى شركة التأمين، وبذلك تخرج شركة التأمين من المحرك الأساسي للجوء الأجانب إلى المستشفيات الحكومية، ويأتي صاحب العمل كدافع للأجنبي بأن يلجأ إلى المستشفيات الحكومية. الحسين: مبدأ «سدد وقارب» هو الموجود ضوابط صحية وأضاف أن معظم العمليات التي يحتاجها الموظف الأجنبي تغطى من قبل شركات التأمين، فهناك ضوابط صحية موحدة بين شركات التأمين توضح الأمور الصحية المؤمنة للموظف، التي تشتمل على معظم الأمور العلاجية بما فيها التنويم والعمليات الجراحية، ويستثنى من ذلك العمليات الصعبة ك «السرطان» وغيره من العمليات التجميلية، موضحاً أنه ليس هناك علاقة تنظيمية فيما يخص ذلك بين المستشفيات الحكومية والخاصة، إلاّ أنها تجاوزت العلاقة التنافسية؛ لأن حجم القطاع الحكومي الذي يقدم قطاع الأعمال لا يقارن بحجم القطاع الخاص، بل إن المنافسة هنا غير عادلة؛ لأن السعر الحكومي سعر لا يعتد به في السوق ولا يمثل تكلفة، فجميع مزاياه تأتي من الدولة، مشيراً إلى أن السبب الذي يدفع الشركات الخاصة لعدم تغطية بعض الحالات المرضية ك «العقم» لدى المرأة وغيرها من الحالات المرضية، راجع إلى المنطق، حيث إنه من المفترض إذا وجد (40) موظفا، فإنه قد يكون واحد فقط منهم مصاب بالعقم، ومن الصعب تخصيص مبلغ كبير للتأمين لعلاج جانب قد لا يحتاجه جميع الموظفين. تغطيات أساسية وذكر أن رفع التأمين لتغطية بعض الأمراض يزيد من معدل التأمين المفروض على الموظف، فشركات التأمين هنا لن تتضرر وصاحب العمل إذا كان يقتطع من راتب الموظف (800) ريال شهرياً للتأمين، من الممكن أن يقتطع (3000) ريال لتأمين علاج باقي الأمراض كالسرطان مثلاً، فليس لديه أي مشكلة في ذلك، إلاّ أن الهدف دائماً يكمن في أن نسدد ونقارب وذلك بوضع التغطيات الأساسية التي يحتاجها جميع الموظفين، وما زاد عليها تأخذ مسارين، إما أن يتحملها صاحب العمل باعتبارها خدمات أخرى، أو يتحملها المريض أو من يعوله، لافتاً إلى أن شركات التأمين تتحمل جزءا كبيرا من التغطية، لكنها لا تتحمل كل شيء، فتغطية علاج الموظف تأخذ الجانب العمومي بما يتوافق مع احتياجات الناس بشكل مناسب من حيث السعر، حتى لا تكون مرفوضة من مقدم الخدمة ولا من أصحاب العمل ولا من شركات التأمين. فروقات السوق وأكد أنه إذا تم رفع مقدار التأمين للموظف بحيث يغطى له كل شيء في العلاج، فإن صاحب العمل يشعر أن تكلفة علاج الموظف أكثر من دخله، وفي هذه الحالة يفضل صاحب العمل أن يتخلى عن الموظف الأجنبي أفضل، مضيفاً أن فروقات السوق يحدد صاحبها العمل، ذاكراً أن هناك (2500) مركز طبي معتمد في المملكة، وجميعها تدخل في قائمة الاختيارات من شركات التأمين، فيتم على سبيل المثال تحديد منهم (10) مستشفيات، و(30) مركزا صحيا و(40) مستوصفا، و(50) صيدلية، و(4) مراكز نظارات، ثم يتولى صاحب العمل تحديد الخيارات المرغوبة، وذلك ما يبرر لجوء بعض المرضى من الأجانب لمستشفيات دون أخرى بحسب التكلفة الأقل. حق للإنسان خالد الفاخري وقال «خالد الفاخري» المستشار وعضو الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان: إن لكل إنسان الحق في الحصول على رعاية صحية مناسبة توفر له حياة صحية سليمة خالية من الأمراض والأوبئة، سواء كان هذا الإنسان مواطنا أو مقيما أو من لديه ظروف خاصة، كالأفراد الذين لا يحملون هويات وطنية ويتعذر أحياناً علاجهم لهذا السبب، مضيفاً أن حرمان أي إنسان من العلاج فيه انتهاك لحقه، سواءً كان هذا الحرمان بسبب إداري أو بسبب تلاعب بعض الأفراد للاستفادة من تعدد المراكز التي يستطيعون اللجوء إليها لتلقى العلاج، مشيراً إلى أن للمواطنين في دولهم الأولوية في تلقى العلاج في المستشفيات الحكومية، ويؤكد ذلك ما نصت عليه المادة (31) من النظام الأساسي للحكم في المملكة التي جاء فيها: «إن الدولة تعني بالصحة العامة وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن»، كما أن المادة (4) من النظام الصحي نصت على أن توفِر الدولة خدمات الرعاية الصحية للمواطنين بالطريقة التي تُنظِمُها، التي جاء من ضمنها الرعاية الصحية للحوادِث والطوارئ والكوارِث ومُكافحة الأمراض المُعدية والوبائية، إلى جانب علاج الأمراض المُستعصية، مثل إزالة الأورام وزراعة الأعضاء، والغسيل الكلوي والصِحة النفسية وغير ذلك من عناصِر خدمات الرعاية الصحية الأولية. الفاخري: «النظام المعلوماتي» لن يظلم أحداً نظام معلوماتي وذكر أنه قد يحصل أحياناً تلاعب من قبل أرباب العمل من خلال عدم توفير تأمين طبي شامل لعامليها، والاكتفاء بتوفير تأمين قد لا يغطي إلاّ الاحتياجات الأولية للمريض، ما ينتج عنه وجود مثل هذه الفجوة، وفي هذا تجاوز لحقوق المواطن والمقيم، فالمواطن متضرر لعدم حصوله على حقه في العلاج، والمقيم لعدم التزام صاحب العمل الذي يعمل لديه في توفير علاج مناسب له، مضيفاً أنه لابد من التأكيد أن الحق في الصحة من الحقوق الأساسية للإنسان، ويجب توفير الرعاية الصحية المناسبة لكل محتاج إليه، ويتحقق ذلك بوضع ملف طبي لجميع الأفراد المقيمين على أرض المملكة من مواطنين ومقيمين على حد سواء، وربط المراكز الصحية والمستشفيات الحكومية والخاصة بنظام معلوماتي وقاعدة بيانات، مؤكداً ضرورة مراعاة ظروف الأفراد الذين لا يحملون هويات وطنية، وتمكينهم من الحصول على العلاج، على اعتبار أنهم مواطنين، وكذلك الأبناء الذين ينتمون إلى أب أجنبي من أم سعودية، فلابد أن يتساوى هؤلاء بالمواطنين، وذلك لحق والدتهم في الانتماء لهذا الوطن.