إن صدور قرار مجلس الوزراء بالموافقة على تنظيم الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد يعكس الاهتمام الذي توليه الدولة لحماية النزاهة ومكافحة الفساد المالي والإداري في شتى صوره ومظاهره، ويفتح صفحة جديدة من الشافية والوضوح لكافة الجهات الحكومية والخاصة. إن كثيراً من المواطنين يترقبون انطلاقها وبدئها لمهامها، خاصة أن كثيراً من المختصين أجمعوا أن الهيئة يناط بها توفير قنوات التواصل مع المواطنين للإبلاغ عن الفساد إينما كان، مع الحفاظ على سرية المبلغين، وكذلك منح المتعاونين مكافآت عند الكشف عن قضايا الفساد أو الرشوة. وبالطبع لا يمكن أن يطالب المواطن بتقديم الأدلة على وجود الفساد حيث لا يستطيع المواطن الإطلاع على مستندات العقود، وبدلاً من ذلك فلا بد للهيئة أن تسمع شكواه حيث إنه الشاهد على عدد المرات التي انقطعت فيها الكهرباء عن منزله أو الماء، أو عن عدد المرات التي رصف فيها الشارع الذي يمر فيه يومياً، أو عن أكوام الزبالة المتكدسة في الشارع، أو عن امتلاء الأنفاق أو الطرق عند هطول الأمطار. وكذلك الطرق السريعة والشوارع الرئيسية والفرعية سرعان ما تتحول إلى تحويلات، أو تحتاج إلى صيانة، أو رصف قبل أن يتم تسلمها أحياناً من الجهات الرسمية، أو بعدما تستلم بمدة قصيرة. وكذلك مباني المستشفيات والمدارس والمباني الحكومية المختلفة والمطارات والحدائق، والمشاريع كثيرة ومختلفة لا يتسع الوقت والمكان لذكرها في هذا المقال، ولكن يبقى المواطن هو خير معين للهيئة بعد الله سبحانه وتعالى لمحاربة الفساد. كما يجب على الأجهزة الحكومية والقضائية مساعدة الهيئة في مكافة الفساد، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا (6000) مشروع معتمد ولم تنفذ؟ وهل تم صرف ميزانيتها أم لا؟. إن الأمر السامي الكريم بإنشاء الهيئة وارتباطها المباشر بخادم الحرمين الشريفين يعد من أهم القرارات والأوامر الملكية التي يقودها وفقه الله ضد الفساد والمفسدين. وهذا أمر يدعو إلى السعادة والثقة، والأمل الكبير في المستقبل خاصة للأجيال القادمة، وهذا يعطي الهيئة دعماً كبيراً لكونها تحظى باهتمام مباشر من القيادة. الكل مطالب بمحاربة الفساد لا أحد يستثنى من ذلك. إن عمل الهيئة طويل وشاق حيث يشمل مجال عملها الرقابة على جميع القطاعات الحكومية، ويسند إليها مهام تنفيذ الأوامر الملكية وخاصة الخدمية منها التي تمس حياة المواطن حتى لا تتأخر أي جهة حكومية في تنفيذ الأوامر والتعليمات، كما أنها ستقضي إن شاء الله على كبرى المشكلات التي نعاني منها، وهي تعثر المشاريع، وتعطل المصالح. إن الرحلة طويلة ومعقدة خاصة أن الهيئة ملزمة بالتنسيق مع الجهات الرقابية الأخرى - من دون الإخلال بتخصص أي منها - وتبقى الهيئة هي المعنية بالفساد المالي والإداري على وجه الخصوص، ولو كان أداء الأجهزة المختلفة مرضياً لما كانت هناك حاجة لإنشاء الهيئة. وعلى الهيئة أن تصمم الآليات التي تستطيع من خلالها أن تكشف حالات الفساد من خلال إتاحة الفرصة للمواطنين والمقيمين. لقد لفت نظري تصريح رئيس الهيئة معالي الأستاذ محمد الشريف - وأنا أكتب هذا المقال - حين قال: (قواعد خاصة للتصدي لظاهرة «الثراء السريع والمفاجئ» لبعض موظفي الدولة عند كشف حساباتهم قبل وبعد الوظيفية). وهذا يؤهل الهيئة أن تبحث عن أصابع الخلل (ما ودي أكرر من كلمة الفساد!!) في الجهات الحكومية وتبحث بنفسها عن المشاريع المتعثرة ولا تعتمد على ما يرفع لها من الجهات الحكومية، وأن يحاسب المقصر أو المفسد أيا كان. نحن نعيش الحاضر ونتطلع للمستقبل بكل تفاؤل.. واقترح على الهيئة وفقها الله ألا تقبل التصريحات التي تتبعها الجهات الحكومية عند تعثر مشروع أو عدم تنفيذه بالعبارات التالية: (تحت الدراسة، قريباً، إعداد الإستراتيجيات، الفترة المقبلة) هذه العبارات في نظري تؤدي إلى التضليل والتشاؤم وعدم الالتزام. وأخيراً وليس آخراً أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق معالي رئيس الهيئة في اختيار الكادر الوظيفي للهيئة والأعضاء والنواب والمساعدين الأكفاء؛ لأن عمل الهيئة سوف يحتاج إلى عدد كبير من المختصن الفنيين والإداريين المخلصين والمشهود لهم بالنزاهة والاستقامة، حيث سيكون للهيئة فروع مستقبلاً في جميع مناطق المملكة، وكذلك فروع الهيئة مستقبلاً في المناطق. * مستشار بوزارة الشؤون الاجتماعية