دخلت تركيا الى صلب مشكلات دول الجوار المحيطة بها من الباب العريض في عهد حكومة رجب طيب أردوغان، وترسخت صورتها بعد أن هاجمت إسرائيل أسطول الحرية المتوجه الى غزة وقتلت مواطنين أتراكا ما اطاح بالعلاقة الودية التي كانت قائمة بين البلدين وفتح أبواب الدول المجاورة مشرعة أمام الوساطات التركية وخصوصا في لبنان وسوريا.في الأزمة السورية تقف تركيا قلقة على وضع أمني ذي تأثير مباشر عليها مع وجود لاجئين يتدفقون الى أراضيها هاربين من دورة العنف في سوريا، وقد بلغ عددهم بحسب مصدر دبلوماسي تركي عشرة آلاف يتوزعون على 10 مدن تركية حدودية. وبسبب هذا الجوار والحدود المشتركة مع سوريا التي تبلغ طول 900 كلم، فإن قيادة أردوغان وأوغلو لن تحيد عن مبدأ أساسي في مقاربتها للأزمة السورية يتمثل "بالحل ضمن الحفاظ على الاستقرار"، من هنا لا تزال تركيا ترفض دعوات الغرب الى قلب نظام الرئيس السوري بشار الأسد ويتساءل دبلوماسيون اتراك عن البديل الجاهز رافضين تكرار السيناريو الأفغاني والعراقي داعين الى "التبصر ومقاربة الوضع بهدوء حفاظا على مستقبل سوريا وشعبها". ولا تبدو تركيا في الوقت عينه متحمسة لأي قرار عقوبات يصدر عن مجلس الأمن الدولي لأنه "لن يقدم حلولا بل سيزيد من مشكلات الناس". وسط أزمة الجار السوري المتنامية لا تنسى تركيا لبنان وبعد فوز أردوغان لولاية ثالثة مع حزب العدالة والتنمية، خاطب بيروت في خطاب الفوز قائلا "بقدر ما انتصرت اسطنبول انتصرت سراييفو. وبقدر ما انتصرت إزمير انتصرت بيروت. وبقدر ما انتصرت أنقرة انتصرت دمشق. وبقدر ما انتصرت ديار بكر انتصرت رام الله ونابلس وجنين والضفة الغربية والقدس وغزة. وبقدر ما انتصرت تركيا انتصر الشرق الاوسط والقوقاز والبلقان وأوروبا". ويجب أن يتوقف اللبنانيون عند ذكر عاصمتهم لما لها من موقع اقتصادي مهم في نظر أنقرة. إلا أن المقاربة التركية للوضع اللبناني لا تنطلق من اصطفاف الى جانب فريق دون آخر، من هنا النظرة "المتسامحة" إذا صح التعبير لحكومة نجيب ميقاتي. ويقول دبلوماسي تركي في هذا الخصوص "لا تحكم تركيا على الحكومة الميقاتية الجديدة على أنها صنيعة ضوء أخضر سوريا بل ستحكم على إنجازاتها ومدى تجاوبها مع متطلبات الشعب اللبناني". ويركز الأتراك الذين ألغوا تأشيرات الدخول مع لبنان منذ عام على القطاعات الحيوية وخصوصا الكهرباء ويبدون خشيتهم من ارتفاع العجز في مؤسسة كهرباء لبنان ويركزون على قطاعات المياه والنقل العام حيث لتركيا مشاريع ثنائية مع لبنان في هذا الخصوص علما بأن ثمة موضوعين تركز عليهما تركيا دوما في علاقاتها اللبنانية هما التربية والصحة وقد بلغ عدد المدارس التي شيدتها في لبنان بعد حرب تموز 2006 ال 57 مدرسة بالإضافة الى المستشفى المتخصص بالحروق الذي شيد في مدينة صيدا وبلغت كلفته 20 مليون دولار أمريكي. ويركز المسؤولون الأتراك بحسب مصادر دبلوماسية على نقطة استمرارية الحكم، ما يعني وجوب ان تكمل الحكومة الميقاتية ما أقرته حكومتي الرئيسين سعد الحريري وقبلها فؤاد السنيورة احتراما لمبدأ تداول السلطة ولو تبدلت الأكثرية الحاكمة.ولا يخفي الأتراك تأييدهم الواضح للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، مشددين في الوقت عينه على ألا تكون هذه المحكمة على حساب لبنان واستقراره اي أن تؤدي الى حرب أهلية، فنظرة تركيا الى هذا الموضوع تتمايز عن النظرتين الأمريكية والأوروبية من حيث أخذها في الاعتبار أولوية استقرار لبنان ومصلحة شعبه، وهو تمايز يفاخر به المسؤولون الأتراك ويجاهرون به.