مع نهاية كل موسم رياضي يتقاطر المدربون مغادرة وقدوما من وإلى أنديتنا، في مسلسل موسمي مستمر، لا يكتفى بعرضه في نهاية الموسم فقط، بل قد يبدأ في منتصف الموسم وأحيانا بعد جولتين أو ثلاث من مسابقة الدوري. ومع ظهور الخبر المعتاد بمغادرة المدرب أي مدرب فإن هذا الخبر يتضمن كثيرا عبارة "ولقد زود المدرب إدارة النادي بتقرير فني عن الفريق تسلمته قبيل مغادرته" والسؤال المطروح في هذا المشهد هل هذا التقرير موثوق به لدى إدارة النادي التي لم تكمل ثقتها أصلا في صاحب التقرير؟ وفي حال أن الإدارة هي من طلب هذا التقرير، ما الذي يمكنها القيام به قبل أن تحضر مدربا آخر، قد ينسف كل ما جاء في تقرير سلفه. والاهم من ذلك كله ما الذي قد يتضمنه هذا التقرير؟ هل هي جوانب فنية بحتة؟ أم انه تحديد لاحتياجات الفريق؟ أم وضع الإدارة أمام السلبيات التي واجهت المدرب شخصيا خلال قيادته الفنية للفريق؟ جيريتس وفي النهاية يظل التقرير حبرا على ورق، قد يعبر كثيرا عن وجهة نظر المدرب فقط، التي فشل في تطبيقها على ارض الواقع، فيندر أن نجد مدربا يوصي بالاهتمام بجوانب تطويرية لمهارات اللاعبين ومستوياتهم وتصحيح أخطائهم داخل الملعب إذ أن ما يبرهن على ذلك هو استمرار هذه الأخطاء وتراكمها مع تعدد المدربين في أنديتنا في كل موسم. من المؤسف أن عمل الكثير من المدربين لدينا يتركز فقط على الاهتمام ب"التكتيك" الذي سيخوض به المباريات الذي يقترن أساسا بوضع الخطط وتوزيع اللاعبين على المراكز، وتحديد أدوارهم في هذه الخطة، وإذا ما كان مدربا متمكنا فإنه سيستخدم أكثر من "تكتيك"، وفق مجريات اللقاء ومستويات اللياقة والمهارة عند اللاعبين، مع اختيار اللاعبين المؤهلين لتأدية ادوار "التكتيك" العام بالصورة الأفضل التي يراها المدرب. سوليد وهنا يغيب الاهتمام بجانب "التكنيك" الذي يعني حضور اللاعب البدني والذهني وتوافقه العصبي والعضلي، واستجاباته المثمرة مع العمل الجماعي في الفريق داخل الملعب، وتطوير مهاراته الفردية، وهو الأهم لمستقبل اللاعب لتطوير مستوياته، وتعزيز ايجابياته والتغلب على أخطائه بتجاوزها، وهو ما يعود على الكرة المحلية بالفائدة الطويلة المدى، والتي تمتد حتى المنتخب الذي قد نلتمس فيه العذر لجهازه الفني، لان المفترض انه سيجد أمامه لاعبين جاهزين، من أنديتهم تكتيكيا وتكنيكيا، وهو ما يتضاءل وجوده عندما يهمل مدربو الأندية هذه الجوانب، ويذهبون باتجاه الاهتمام بالتكتيك فقط، واستبدال اللاعب الذي لا يخدم هذا التكتيك، أو حبسه في دكة الاحتياط، وأحيانا أخرى إبعاد هذا اللاعب والنماذج حاضرة كثيرا في ملاعبنا. فقلما نجد مدربا لدينا يطلب من مهاجمه أن يرفع رأسه عندما يواجه المرمى، أو تعويده على التصويب بكلتا قدميه، ويندر أن نرى مدربا اكتشف لاعبا يجيد تنفيذ الكرات الثابتة، ولا نجد مدربا يصحح أخطاء لاعبي الدفاع، أو أن يطلب من لاعب وسط مثلا أن يتوقف عن الركض المبالغ فيه في الملعب والذي يؤدي الى استنزاف لياقته وطاقته، دون أن تكون تحركاته مثمرة للفريق، أو أن يتهم بتوصيل تمريراته لزملائه، بل أن هناك أخطاء بدائية لا تجد من يصححها فمثلا حارس المرمى الذي يحول ضربة المرمى إلى رمية "آوت"، ويكرر ذلك في كل مباراة وسط فرجة مدربه، دون أن يتدخل لتصحيح هذا الخطأ، وكم من مهاجم لدينا الآن يجيد التسجيل باستخدام رأسه أو كلتا قدميه؟ وأين هم صناع اللعب في وسط الملعب؟ للأسف جل المدربين لدينا يعتمدون على جاهزية اللاعب ومهاراته الفردية فقط كما هي بإيجابياتها وعيوبها. صحيح أن جانب الاستعداد لدى اللاعب يلعب دورا مهما في الاستجابة لتأثيرات الجهاز الفني وتغييراته، وتصحيحاته الفنية العامة أو غير المباشرة، من خلال الإعداد الجماعي، ولكن معظم اللاعبين في ملاعبنا حتما سيتقبلون التقويم والتصحيح الفني، متى ما زاد وعيهم بتطوير إمكانياتهم، أو سيكون الجلوس في المدرج خيارا ملائما في حال عدم تقبلهم لتطوير مستوياتهم لخدمة الفريق، مع إتاحة الفرصة لغيرهم مما يقلل من بقاء اللاعبين المستهلكين فنيا في ملاعبنا. ومن الممكن ألا تسند كل هذه المهام في هذا الجانب للمدرب، ويترك وحيدا، فقد يشرف المدرب على الاهتمام ب(تكنكيك) اللاعب ويكون الدور المباشر لمساعديه، مع تزويد إدارة النادي بتقارير دورية، تكشف استجابة اللاعبين وتطورهم، ليأتي دور الإدارة بالدعم والتحفيز وأيضا المحاسبة، لمصلحة الفريق الكروي كجماعة واحدة. ويظل من المؤسف أن ادوار الأجهزة الفنية التي تحط طائراتها كل صيف وشتاء في مطاراتنا، قبل أن يتوجهوا إلى أنديتنا لبدء مهامهم، تقتصر في جلها على الاهتمام ب(التكتيك) لان ذلك هو ما يهم المدرب ويسهل عليه تحقيق نتائج وقتية، لا تخدم اللاعب لدينا والمنتخب الوطني عموما على المدى البعيد، وكم من نجم فقدناه بالابتعاد أو الهبوط القسري في مستواه الفني، فقط لأنه لم يجد من يكشف عيوبه الفنية داخل الملعب ويعزز ايجابياته، وهو ما ساهم أخيرا في توقف عطاءات الكثير من نجوم أنديتنا، بل أن السمات القيادية في اللاعبين بدأت بالتلاشي، لأنهم لم يجدوا من يكتشفها ويسخرها لمصلحة الفريق، حتى أضحى جل أنديتنا يعاني من غياب القائد الفعلي لزملائه داخل الملعب، وانسحب كل ذلك تماما على حضور منتخبنا الضعيف (تكتيكيا) و(تكنيكيا) في المواسم الأخيرة وهو ما يأمل الجميع تداركه مستقبلا في عمل الأجهزة الفنية في أنديتنا المحلية لتطوير الكرة السعودية أولا وأخيرا.