كان الحوار الذي تم في المؤتمر الدولي الذي عقد في رحاب الجامعة العربية بالقاهرة في منتصف سبتمبر حول صورة الثقافة العربية - الاسلامية في مقررات التاريخ المدرسية في بعض الدول الاوروبية حواراً هادئاً علمياً خالياً من الانفعال والتشنجات. كان المشاركون في هذا المؤتمر من الجانب العربي باحثون عرب اتوا وشاركوا بصفتهم الشخصية من داخل الوطن العربي وخارجه ومن الجانب الاوروبي مسؤولون ومشرفون وناشرون للمناهج واكاديميون. حضر المؤتمر وتحدث فيه بجانب الباحثين شخصيات عربية مرموقة. وعلى مدى ثلاثة ايام كانت هناك حوارات صريحة ومكاشفة بنيت على بحوث ودراسات علمية تقدم بها الجانب العربي حول صورة العرب والمسلمين في مناهج بعض الدول الغربية وإسرائيل. قلنا لهم أن المناهج المدرسية هي افضل وسيلة لتشكيل وعي الطلاب ورسم الصورة الذهنية لهم وتشكيل مواقفهم واتجاهاتهم ولهذا لابد ان تكون المناهج الدراسية وسيلة للتفاهم والتعايش والتسامح والا يكون الطلاب ضحية لمناهج تشكل وعيهم بصورة سلبية نحو الآخرين وتكون صور مقلوبة ومغلوطة وخاطئة وتتبنى احادية الثقافة والاحكام المسبقة التي تعمق الخلافات بين الافراد والشعوب. وقلنا لهم ان امامنا مشكلة ضخمة تتمثل في فجوة تتسع ولا تضيق بين العرب والمسلمين من ناحية والغرب من ناحية اخرى. اذا تركناها دون علاج ناجح سيؤدي الامر الى صدام حقيقي على ارض الواقع بين المنتمين الى مختلف الحضارات والاديان. عرضنا عليهم نتاج أبحاث ودراسات علمية عن صورة العرب والمسلمين في مناهجهم بشكل علمي بعيد عن الانطباع والتصور المسبق: عن ماذا يقولون عن الدين الاسلامي والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم واركان الاسلام والجهاد وماذا يقولون عن العربي والمسلم وكيف يصورونه لأجيالهم. وقلنا لهم ان الامر قد توج باصطلاح جديد هو Islamophobia الذي يقصد به الخوف او عدم تسامح المسلمين الذي يدعو اسلامهم اليه. وادى هذا ولا يزال يؤدي الى اذى كبير يتعرض له المسلمون من الغرب. وهذا الامر لا يقل خطورة عن ما يكتب في مناهج التعليم عن العرب والمسلمين. قلنا لهم انه في الوقت الذي تشوه فيه صورة العرب والمسلمين تتم الاشادة بصورتهم ويطلقون عليها محور العالم والعالم كله يدور في فلك اوروبا. قلنا لهم ايضاً ان هناك مشكلة تكمن في مشروع الهيمنة الغربية التي تعمل في سبيل تحقيق مصالحها بفرض الايدولوجيا والاديان والقيم الخاصة بهم، لأنهم يعتبرون مقاييس القيم الغربية هي التي يجب ان تقاس بها القيم الاخرى وان أي قيم تتعارض مع هذه المقاييس هو ضال وشرير ويجب استئصاله. وقلنا لهم ان ديننا الاسلامي وقرآننا يقول لنا {ليسوا سواء} (آل عمران 113) ولهذا فإننا نطمح الى تواصل الحسن مع الحسن لدحض الشر عن كوننا وتكريس السلام والمحبة والتعايش فيه. وقلنا لهم اننا نشعر ان هناك مساحة مشتركة بين الامم والثقافات يجب نتمسك بهاونوسعها. وقلنا لهم ان المسلمين ليسوا ضد رسم صورة حقيقية واضحة عن الاسلام، بل بالعكس انهم يرغبون ان يكون هناك عرض لدينهم لكن بشكل صحيح وموضوعي. وقلنا لهم ان ما نطلبهم منهم يجب ان نحققه نحن ايضاً، لأن الموضوعية تقتضي اعترافاً بما يؤدي الى الاستفزاز ويعترض سبيل التفاهم وازالته. كما تقتضي الاعتراف بقيم الغير والتعايش مع ما تشابه منها، والتسامح مع ما اختلف. وقلنا لهم ان مثل هذا اللقاء يجب ان يتكرر وان تخرج هذه اللقاءات بخطة عملية فيها آليات تنفيذ وتشترك فيها المنظمات الدولية مثل اليونسكو وجامعة الدول العربية والاسيسكو والاليسكو والاتحاد الاوروبي وبعض المؤسسات المهتمة التي تدعو وبشكل موضوعي الى تفاهم بين الثقافات والاديان والحضارات، وألا يخرج هذا اللقاء بتوصيات يتكوم الغبار فوقها. وماذا قالوا لنا؟ قالوا لنا اننا جميعاً (العرب والمسلمين المشاركين) قضينا كل الوقت المعطى لنا في الحديث عن مشكلة الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين في كتب الغرب، الامر الذي قالوا انهم يعرفونه جيداً، لكننا لم نقدم حلولاً لهذه المشكلة، ان ابحاثنا لم تتعرض للحلول وانما لالقاء اللائمة عليهم وتحميلهم المسؤولية. وقالوا لنا ان تاريخنا لا يخلو من صور سلبية يجب عدم التغاضي عنها، واننا نطلب منهم الاشادة بنا وبتاريخنا بالرغم من تلك الصور التي تكتنفه. وقال لنا بعضهم ان وزارة التربية في بلادهم وبناء على دراسات تم اطلاعهم عليها من قبل بعض الباحثين العرب (دراسة قام بها الدكتور مصطفى الحلوجي عن مناهج فرنسا) تعكف على اعادة النظر فيما يكتب عن العرب والمسلمين. وقال لنا بعضهم ان ما يكتب عن المرأة في الاسلام على سبيل المثال يتم مراجعته لأنهم يتفهمون وضع المرأة في الاسلام واختلافه عن وضع المرأة في الغرب. ومن خلال الحوار والنقاش اكتشفنا نحن المشاركين العرب اموراً عديدة منها: ان هناك خلطاً لدى الغرب بين الاسلام وممارسات المسلمين. فأي ممارسة من قبيل المسلمين عبر التاريخ سواء كانوا قادة أم افراداً تحمل على الاسلام. فهم لا ينظرون الى الامر بالعمق الذي يتضح لهم به الفرق بين الامرين ناهيك عن بعض المغالطات التي يتم تعمدها من قبل بعض الحاقدين على الاسلام والذين يتعمدون الاساءة له. كما اكتشفنا انه لا يتم التفريق بين الفتوحات الاسلامية التي يقصد بها الخير والمنفعة ودعوة الناس الى الحق والحروب التوسعية عبر التاريخ الاسلامي فهي جميعاً حروب يراد بها الابادة وفرض نوع من القيم والمعتقدات على الناس بقوة السيف. واكتشفنا انه بتضافر الجهد المنظم العلمي يسهل الحوار مع الآخرين واقناعهم. فدرجة التفهم والاستجابة من قبل المشاركين الغربيين لم تكن متوقعة. واكتشفنا انه لابد من ان يكون العمل الذي يراد القيام به للحوار مع الغرب ضمن خطة محددة واضحة الاهداف يتم تقييم مراحلها للاستفادة من المرحلة السابقة لتحسين اداء المرحلة اللاحقة. واكتشفنا ان بعثرة الجهد وربما تناقض بعضه بشكل لا ارادي ربما لا يؤدي الى نتيجة، اقول ذلك بتحفظ وبدون تحفظ اقول ربما يؤدي الى نتائج عكسية. وقد حرصنا نحن المشاركين السعوديين في هذا المؤتمر توخي الطرح الموضوعي عند الدفاع عن المملكة العربية السعودية وما يثار ضد مناهجها وبرامجها التعليمية وذلك بطريقة غير مباشرة حيث ان نتائج البحوث التي عرضناها تؤكد ان مناهج الدول الاخرى والتي تغطيها تلك البحوث (أمريكا، بريطانيا، إسرائيل) فيها الكثير من التحيز والتشويه للشخصية العربية المسلمة وللمسلمين وحضاراتهم. كما حرصنا على توضيح نتائج البحث ونشرها والحديث عنها ومناقشتها وتوزيعها في الاوساط العلمية، والثقافية، حيث ان هذه النتائج توضح ما في مناهج أمريكا وبريطانيا وإسرائيل من تشويه وتحيز ونظرة دونية للآخر (العرب والمسلمين). وكذلك التركيز في النقاش والطرح والمداخلات على الروح العلمية التي كتب فيها البحث وتوضيح نتائجه بشكل دقيق وتجرد بعيداً عن الطروحات العاطفية والمداخلات الخطابية التي لا تخدم اهداف ورسالة البحث. والتركيز في تقديم نتائج البحث والمداخلات والنقاشات على ان الاسلام دين الوسطية والاعتدال والنظرة المتوازنة للآخر، ودين التعايش والتعاون والتفاهم بين الشعوب، وان مناهج المملكة تعكس هذا الاتجاه وان ما في بعضها من ملاحظات بسبب بعض اجتهادات الخبراء والمتخصصين قابل للتعديل والتطوير مع عدم المساس بالثوابت. كما حرصنا على تأصيل الحوار البناء والتفاهم المتبادل مع خبراء ومسؤولي التربية والتعليم في الدول الاخرى، مما سيؤدي الى نتائج ايجابية في علاقات الشعوب والحضارات مع بعضها البعض. هذا وقد توصل المتحاورون إلى النقاط الآتية: 1 - يعتبر هذا الاجتماع الدولي الأول من نوعه والذي خصص لمراجعة كتب التاريخ المدرسية، واشتراك الدول الأوروبية و العربية، يعتبر الانطلاقة المثمرة الأولى والمشاركة الهامة في تنفيذ الاستراتيجية الأوروبية العربية الهادفة إلى «تعلم كيف نتعايش معاً» وقد أعدت هذه الاستراتيجية وحدة مهام أوروبية عربية خاصة بالهيئات الدولية المنبثقة عن اليونسكو، والآيسيسكو، إلى جانب المجلس الأوروبي، وقد شجع المؤتمر على القيام بنشاطات المتابعة، كما انه يرحب بفكرة تحويل هذا الاجتماع إلى نشاط دائم يعمل على مراجعة الكتب المدرسية في المنطقتين الأوروبية والعربية. 2 - ينبغي أن يبني المزيد من النشاطات الأخرى على المبادرة الحديثة التي طرحتها اليونسو، والآيسيسكو، والآليكسو، والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي (OIC) والتي تدعو فيما تدعو إليه من أمور أخرى، إلى مراجعة كتب التاريخ والجغرافيا وغيرها من الكتب المدرسية والمواد التدريسية المستخدمة في المدارس الابتدائية والثانوية «الحكومية والخاصة»، بغية تحديد الصور النمطية والأحكام التي تؤدي إلى التقليل من شأن الثقافات والحضارات الأخرى وتحسين مستوى معرفة الثقافات والحضارات والأديان والعادات. وينبغي توجيه عناية خاصة إلى الاجتماع الذي ترتب حول تنوع الثقافات استناداً إلى الإعلان العالمي لعام 2001م حول تنوع الثقافات. 3 - يناشد المؤتمر كلاً من اليونسكو، والآيسيسكو، والآليسكو، وكذلك المجلس الأوروبي بتكوين وحدة مهام يشترك فيها (مجموعة خبراء) يتم تكليفها باتخاذ الخطوات العملية لمراجعة وتحسين الكتب المدرسية في المنطقتين الأوروبية والعربية. وبالإمكان إشراك مصادر وخبرات مؤسسات غير حكومية في هذا النشاط، وذلك مثل معهد جورج إيكرت (George-Eckert)لأبحاث الكتب الدراسية الدولية. وسعياً وراء الانتقال إلى نشاطات أكثر رسوخاً، قد يؤدي تحرك قوة العمل هذه إلى نتائج قصيرة المدى وأخرى متوسطة المدى. اولاً- النتائج قصيرة المدى، وتشتمل على: - تصحيح الاخطاء المتعلقة بالحقائق في الكتب المدرسية، طبقاً لمستويات تعليمية راسخة. - مناقشة المبادئ الاولية في تعليم التاريخ، وعلى وجه الخصوص مبدأ تعدد المعايير، حسبما ورد في مستندات وتوصيات المجلس الاوروبي. - دراسة كيفية ابراز المواضيع الحساسة والمواضيع المثيرة للجدل فيما يتعلق بالتاريخ والثقافة في المنطقتين في الكتب الدراسية. - تشجيع تبادل الزيارات الطلابية وتأسيس شراكات مدرسية وندوات تدريبية مشتركة للمعلمين. - ثانياً - النتائج متوسطة المدى، وتشتمل على: - الانتاج المشترك بين المنطقتين للمواد التدريسية والادلة الارشادية للمعلمين وناشري الكتب المدرسية، الى جانب المقترحات اللازمة لتطوير المناهج الدراسية.