قائد القوات الخاصة للأمن البيئي يدشن القوة الخاصة للأمن البيئي بمحمية عروق بني معارض الطبيعية بمنطقة نجران    165 مليار ريال إجمالي حجم الاقتصاد الرقمي السعودي    الرئيس اللبناني: لا خوف من فتنة طائفية    بنزيما يهدد صدارة «الدون» لهدافي الدوري    أدبي جازان يقيم عدد من الفعاليات بمناسبة يوم التأسيس    الأشخاص ذوي الإعاقة يكسرون حاجز الإعاقة ويزورون معرض جازان للكتاب 2025 "جازان تقرأ "    تدشين مشروعات استثمارية ب29 مليار ريال في «وعد الشمال»    "تخفيضات رمضان" على Amazon.sa تنطلق في 17 فبراير: خصومات مذهلة وآلاف العروض ومزايا إضافية لأعضاء برنامج أمازون برايم وطرق مبتكرة لدعم المجتمع المحلي    برعاية أمير منطقة الرياض.. "جمعية كفيف" تزف بعد غدٍ 45 شابًا وفتاة من المكفوفين    وزير الشؤون الإسلامية يدشن مشروع تشجير مساجد وجوامع منطقة القصيم    القيادة تهنئ رئيسة جمهورية كوسوفا بذكرى استقلال بلادها    حلبة جدة تخطف الأنظار    أسعار النفط إلى 74 دولاراً    تزامن فلكي بين التقويم الهجري والميلادي.. مطلع رمضان    أمير القصيم يستقبل مدير عام الجوازات والفائزين بصناعة المحتوى    موسكو: محادثات الرياض هدفها إحياء العلاقات الروسية الأميركية    نستثمر للوطن    رحل.. وخصاله مرآة تقدير في حياتنا    حرم ولي العهد تُعلن إطلاق متحف مسك للتراث «آسان»    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك بورقة علمية في مؤتمر المركز الوطني للوثائق والمحفوظات    آل الشيخ يدشن مشروع لعقود الصيانة والنظافة والتشغيل لجوامع ومساجد القصيم    «دار وإعمار» للاستثمار والتطوير العقاري تدشن فيلا العرض النموذجية لمشروع «تالا السيف» وتواصل ريادتها في السوق العقاري    أمانة تبوك تكثف أعمال الإصحاح البيئي ومكتفحة آفات الصحة العامة    ما مطالب إسرائيل من حماس ؟    (إثراء) يحتفي بيوم التأسيس بأكثر من 30 فعالية ثقافية وتراثية مميزة    وزير البيئة يُدشِّن 3 أصناف عالية الإنتاجية من القمح تتناسب مع الظروف البيئية للمملكة    مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين يُقر أعضاء مجلس إدارة صندوق دعم الإعلاميين    المملكة تقدم نموذجًا عالميًا في مكافحة "الاتجار بالأشخاص"    ماذا تقدم بيضة واحدة أسبوعياً لقلبك ؟    المملكة صانعة السلام    حين يصبح الطريق حياة...لا تعطلوا الإسعاف    في انطلاق الجولة 22 من دوري" يلو".. الجبلين في ضيافة الزلفي.. والعين يواجه البكيرية    وزير الداخلية ونظيره اللبناني يبحثان مسارات التعاون الأمني    تكريم الفائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز في دورتها ال 12    زار اللاذقية ضمن جولة حشد الدعم ل«الحوار السوري».. الشرع: سنحاسب كل من تلطّخت أياديه بالدماء    تراجع مفهوم الخطوبة بين القيم الاجتماعية والتأثيرات الحديثة    عيد الحب.. بين المشاعر الحقيقية والقيم الإسلامية    10 مسارات إثرائية لتعزيز تجربة قاصدي الحرمين في رمضان    الدعم السريع يستهدف محطات الكهرباء بالمسيَّرات.. غوتيريش يدعو لوقف تدفق السلاح للسودان    تحذير من أجهزة ذكية لقياس سكر الدم    أمير الشرقية يرعى لقاء «أصدقاء المرضى»    الشيخ السليمان ل«الرياض»: بعض المعبرين أفسد حياة الناس ودمر البيوت    "السراج" يحقق رقماً قياسياً جديداً .. أسرع سبّاح سعودي في سباق 50 متراً    «سلمان للإغاثة» يدشن مبادرة «إطعام - 4»    الحجامة.. صحة وعلاج ووقاية    محمد بن ناصر يدشّن حملة التطعيم ضدّ شلل الأطفال    يوم «سرطان الأطفال».. التثقيف بطرق العلاج    الحاضنات داعمة للأمهات    غرامة لعدم المخالفة !    القادسية قادم بقوة    يايسله: جاهزون للغرافة    منتدى الاستثمار الرياضي يسلّم شارة SIF لشركة المحركات السعودية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل القنصل العام لدولة الكويت    أمير نجران يكرّم مدير فرع هيئة حقوق الإنسان بالمنطقة سابقاً    "كبدك" تقدم الرعاية لأكثر من 50 مستفيدًا    جدد رفضه المطلق للتهجير.. الرئيس الفلسطيني أمام القمة الإفريقية: تحقيق الأمن الدولي يتطلب دعم مؤتمر السلام برئاسة السعودية    عدم تعمد الإضرار بطبيعة المنطقة والحياة البرية.. ضوابط جديدة للتنزه في منطقة الصمان    استمع إلى شرح موجز عن عملهما.. وزير الداخلية يزور» الحماية المدنية» و» العمليات الأمنية» الإيطالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وداعاً لتلك السيدة النائمة
نشر في الرياض يوم 02 - 06 - 2011


- 1-
سالت أختي أزهار: كم كانت الساعة حين اسلمت الروح، تلك السيدة، عمتي؟ سالتُ اسئلة حرفية بحتة كأنني محقق جنائي يكتب تقريره الخاص لقسم البوليس المحلي، سألت ولم يردعني الموت وأنا أقص على نفسي كيف أنني انتمي للموتى أكثر من الأحياء، وكيف ان ديونهم ما زالت في الرقبة وأنا أتفاوض معهم على تسديدها في الكتابة، في أثناء الكتابة، فجميع الذين أحببتهم تركوني وغادروا! كنت اسأل كل من بقي بجوارها وكان يسقيها القطرات الأخيرة من ماء دجلة الملوث. اسأل من أجلي انا واسمها مستمر في حلقي أدون فيه تعددية الأصوات والشخصيات، كنت أسأل عن الزمن لكي اقيسه واحسبه بالدقائق ونحن لم نعد وجها لوجه، ولا عينا بعين ونحن أمام ذاك الجدار؛ الموت، كم مضى علينا ونحن لم نتلاق؟ ثلاثون عاما هي بالاجمال سنوات اللغو والتلعثم، الصياح والهلاك اليومي وكنت أتوفر على أفضلها واقواها واغزرها ونحن بعيدات عن بعض بهذا المستوى من الحنق والعبوس والحيادية، فذاك وهذا الزمن هو ذاته الذي نقوم نحن أو غيرنا بدلا عنا بتدجين الحب فلا أستطيع أن أحمل معي وانا أدور في الشقة الكشتبان إلا تكرار عزلتي وأنا رهينة لتلك البلاد، خاضعة لها ولا أحصل إلا على هذه الحميمية القاتلة للموت، لمدارس الموت، العزلة هي التي تحيط بي في كل خطوة أخطوها بين الأشياء القليلة هنا، وخارج الشقة حيث أتسول أتساع المسافات فلا تتسع، كان الصمت يحادثني ويسمح لي بالتحدث معها وبصوت خفيض، إذاً، علي التحديق فيها ومن دون الخوض في المرارة والشجن، في اليأس والخواء، فرغت عيني نفسها من الدموع فقلت حسنا، فلأدشن عيونا جديدة ما كانت لي ولا لعمتي، أبداً لن تزجرني وتنكد وتمازحني واخي، فالموت يشجع ان تعطيه جميع الخطوات وحين تقرر الوقوف فجأة لن تبقى بمفردك فهو بجوارك وبجنبك، يروح ويجئ، يغلف ويؤلف كتبي، هو في الغالب عموم مقومات حياتي.
- 2-
حاولت عشرات المرات الكتابة عن هذا الموت بموضوعية باردة، أنزع عنه فجائعيته ودراميته، فبقدر ما هو مشكلة فلسفية، كونية ووجودية كبرى بقدر ما هو حل بذات الصفات نفسها، زائد انه حل ابداعي لا مثيل له. يحضر من دون وصفات تجريبية شريطة ان لا تعطي دروسا أو تتشاوف. أدري أن لا جواب على سؤال الموت إلا المراوحة في سؤال الوجود ذاته. فلا أحد يعرف تلك السيدة النائمة عمتي. كانت هي السيدة فلانة بنت الفلاني، المولودة عام كذا والمتوفاة عام كذا في ... لكنها، وأنا أدون عنها هذه السطور حضرت رواية أوسكار وايلد الذي بقي فاتنا في اللوحة الشهيرة والخالدة، وفي الدنيا كان التفسخ والانحلال وبالتدريج يفتك بها، شخصيا أخذت هذه العمة من كاشي ذلك الحوش العتيق الخرب اليوم الكائن في حي الأعظمية ووضعت لها اسما حركيا كما لو كانت ستدخل خلية حزبية سرية فكانت إحدى شخصيات حبات النفتالين الأثيرة على نفسي، كانت تتحرك باسم فريدة النفورة المغوية المتسلطة ذات العنفوان والكبرياء والحشمة، التي علينا البحث عنها فاما ان نعثر أو لا نعثر عليها، فريدة تلك وباقي الشخصيات كانوا من عظام الرقبة لكنهم كانوا من لحم التخييل الذي لا يندرج في قواعد إلا قاعدة الكتابة الجيدة وبعيدا عما يسمى: لا بالسيرة ولا بالتخييل، وانما بين بين، دائما علينا ابتكار قواعد جديدة، ليس من الضروري أن تكون صائبة تماما أو خاطئة جدا، لكن، ان تكشف عما كان مجهولا لنا فنمرر عبره ما يمكن تمريره بما يتعلق بالأفكار المضادة ومن شتى الجهات، بعض الشخصيات لا تبرحنا قط، نحن الذين نتهافت عليها لكي توافق أن تاخذنا إلى صفها في السلوك والقيم والاريحية، حتى مكرها يتبلور رقراقا في أثناء الكتابة.
- 3 -
شخصية العمة فريدة اثارت حين تمت ترجمة هذه الرواية إلى لغات أوربية كثيرة وبطبعات أمريكية متعددة ومن ثلاثة دور نشر مختلفة الكثير من اللغط والاستجوابات، أنا التي كنت ارافقها فترقبني وانا الهث أريد أن اضعها في إحدى الخانات لكي استريح، وضمن السياق الروائي ولكي أعود على جناح السرعة إلى إغوائها، هي عملت ما كان نوعا من الايمان بما فعلت، وكانت فاتنة في عيني وعيون الجميع، ربما، اليوم أدرك ان تلك الفتنة كانت بمعنى من المعاني هي سلطة الشباب ذاته، أو سلطة الهجوم غير التقليدي من شابة قالت لا لمن حولها فتمدد شبابها وسلطتها إلي وعليّ واصابتني بالعدوى المبكرة ومن دون علمي، فالضد يعدي حتى لو كانت الحياة هشة، مرتبكة، لكنها كانت حافلة بالوعود التي تحققت بعد كذا من السنين.
في جميع الندوات والمؤتمرات والدول، في جميع ما كتب عن هذه الرواية وبلغات مختلفة، كان احد الأسئلة المركزية التي تواجهني: هل هي موجودة حقا؟ هل وجدت في يوم من الأيام؟ حتى اللحظة لا أستطيع الأجابة بنعم أو لا، هي الكتابة بالضبط هكذا، التأليف الذي في رأيي هو الفصل التام بين الشخص الذي نخترعه نحن، الذي وضعنا في عروقه الدم ودبغنا جلده بدمغتنا الخاصة، وبين عزلة الكائن الحقيقي، الفعلي، الأصلي الذي شخصيا وفي اثناء التأليف لا يعنيني وجوده الفيزيائي قط، آه، معظم شخصيات رواياتي كانوا ذخيرتي الوحيدة، هم لم يتركونني ابدا كغيرهم، أخذهم معي أين ما أحل أو أرحل ويحادثونني أكثر من صديقاتي واصدقائي المنتشرين في ارجاء العالم، إنهم عشاق فصول الكتب وعناوينها، فيستغرب البعض وهو يشاهدني مسرورة بوحدتي وعزلتي فانا في صحبة أولئك وهؤلاء.
-4-
ثمة تجانس لا نظير له بين شكل البيت وساكنيه، هما يعودان ويلتحمان سويا في تناغم عجيب، تساقطت أوراق الأشجار في الحديقة الصغيرة كما تساقط شعر تلك السيدة النائمة، اصباغ الجدران تقشرت فظهرت عروق وشرايين اسمنت شيد قبل ما يقارب الخمسين عاما، زجاج الشبابيك مفطّر في أكثر من زاوية، والاقفال لا تغلق الضلفات بصورة محكمة، الأثاث عتيق يشي برائحة الدموع والطهي السخي، والابخرة التي تتصاعد من حمامات البيوت البغدادية العريقة، الأبواب لا تغلق بصورة جيدة فتطلق اصواتا تشبه النحيب على من فرّ وهاجر، غادر وقضى، للأبواب ذاكرة لا تصدق مقابضها تلين بين كف وأصابع البعض، وتحرد لدى البعض الآخر فلا تفتح ولا تغلق، تبقى هكذا مثلنا بين بين.. مثل التدوين والتاليف، مثل تلك السيدة النائمة، اطلقت على بيتنا الخاوي اليوم منّا جميعا والكائن في الأعظمية ب بيت النمل فبدأت بالتحضير للجزء الثاني من رواية النفتالين فمازال بعض الاشخاص في حوزتي أنا وبعضنا، ولم لا فنحن كثرة وأنا أثق بهذا جدا. هو بيت يقضي نحبه احتضارا وتفكيكا وخرابا ما بين فعل الزمن والبشر، ما بين الارتياب والاطماع، فالبيت هو عراقي الوحيد الذي دونت وشيدت حجارته وطوابقه وارضيته وأصباغ حيطانه، والضنى الذي يتآكلني ثانية بعد ثانية وهو على بعد آلاف الأميال لكنه أقرب إلى من حبل الوريد.
ففي الروايات لا أحد يشيخ أو نحن لن ندعهم يشيخون وإذا ما ارتكبوا هذه المعصية فنأخذهم حالا إلى خارج الأعمار، نفكك الأعوام وندعهم في بحبوبة من عيش العمر الافتراضي، نخشى عليهم الخرف والوهم والأسى لأننا نخشى على معايير عمرنا نحن من بعدهم.
**
عمتي الجميلة، السيدة الفلانية، الفريدة، المنفردة لم تفقد الوعي ولا أصيبت بالخرف، كانت تتذكر أبعد صورة من الطفولة والصبا، وأقرب ما كنت أبعثه لها من هدايا، تضحك وتراوغ واشعر ان خديها يتوردان وهي تستعيد رائحة العطور، حين تضع الشالات، ولا تنسى النقود والثياب التي كنت أرسلها واخي، فترفعها بيرقا وتردد بمرح:
- أي الملابس حلوة لكن لم تعد تدخل في جسمي بعد، لا، أنا ضعفت كثيرا بس الثياب انكمشت.
لكن دائما العكس هو الصحيح، في العموم يكون العكس هو الصواب لكننا لا نلاحظ هذا إلا حينما نكون في الطرف الآخر من الخطأ والصواب ولا نعثر على أحد ينبهنا على ما اقترفناه في حق أنفسنا وبعضنا إلا الموت، سلاما لتلك السيدة التي ما زالت نائمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.