تتوزع مصانع الاسمنت أل 13 مكانيا (جغرافيا) بين مناطق السعودية دون مراعاة طلب المنطقة المتوقع في إطار النمو السكاني والاقتصادي الكبير، مما اضعف المنافسة المكانية بين مصانع الاسمنت على مستوى المملكة وخاصة في المناطق التي توجد بها تلك المصانع، حيث تلعب تكلفة المواصلات عاملا حاسما في ارتفاع أسعار الاسمنت المعبأ في أكياس دون أن تتأثر أسعار الاسمنت السائب الذي في العادة يستلمه العملاء مباشرة، بينما الأكياس يستلمها الموزعون ويتم بيعها إلى وسطاء آخرين يفرضون أسعارا أعلى بكثير من الأسعار المحددة بعد إضافة تكاليف المواصلات إلى تلك الأسعار. هذا يعني ان المناطق التي تقع على مسافة بعيدة سوف ترتفع أسعارها، لكن لماذا يرتفع سعر كيس الاسمنت إلى 18-20 ريالا داخل مدن المنطقة الغربية؟ بالتأكيد انها مشكلة شح في المعروض قد يكون عائدا إلى تعطل بعض خطوط الإنتاج كما حدث في مصنع ينبع، أو ان تلك المصانع لا تنتج عند أقصى طاقة لها أو انها توجه معظم إنتاجها إلى الاسمنت السائب على حساب اسمنت الأكياس أو انها تواجه نقصا في الوقود كما تدعيه شركة اسمنت ينبع وارامكو تنفيه، مما خلق ازمة أسعار في مواجهة الارتفاع المستمر في الطلب على الاسمنت في ظل النهضة العمرانية الكبيرة، حيث أصبحت الفجوة بين العرض والطلب صفرا، رغم ان المصانع مازال لديها 8.3 ملايين طن من الكلنكر المستعمل في إنتاج الاسمنت في نهاية ابريل مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. إحصائيا لقد ارتفع الطلب بشكل كبير على الاسمنت في الأربعة اشهر الماضية هذا العام مقارنة بالعام الماضي، حيث قابله نمو في المبيعات بالنسب التالية: 8%، 10%، 11%، 18% في شهر يناير، فبراير، مارس، ابريل على التوالي. لاحظ ان ارتفاع هذه المبيعات تصاعدي ثم قفزت في شهر ابريل بفارق 7%، حيث وصل إجمالي إلانتاج إلى قمته عند 4.53 ملايين طن في شهر ابريل، وإذا ما تم حساب متوسط الإنتاج لهذه الأشهر في ظل تصاعد الطلب فان المبيعات السنوية سوف تصل إلى 51.06 مليون طن مما يغلق الفجوة بين العرض والطلب المتوقع له أن يصل إلى 52 مليون طن هذا العام. وهذا شاهد على ضعف المنافسة المكانية بين المناطق كما تفسرها ارتفاعات مبيعات شركات الاسمنت المتباينة، حيث ارتفعت مبيعات أسمنت الجنوبية 29% والعربية 17.5% والرياض 53% ونجران 14% والشرقية بنسبة 11%. إن انتظار سيارات الشحن من 8 -20 يوما لحصولها على كميات أقل مما تطلبه دليل واضح على سوء تنظيم سوق الاسمنت من ناحية التسعير والتوزيع، وإلا لمَ انتظرت تلك الشاحنات لهذه المدد؟. لذا هل فعلا تريد تلك الشاحنات نقل الاسمنت إلى مراكز التوزيع أو العملاء أو من اجل المتاجرة فيه من خلال الانتظار لعدة أيام حتى ترتفع الأسعار ثم بيعه؟ إن تحديد أسعار الاسمنت ومنع التصدير إلا بشروط أدى إلى ذلك الخلل في آليات السوق من عرض وطلب مما كان له تأثير كبير على أداء مصانع الاسمنت وعلى المنافسة في سوق الاسمنت وخلق سوق سوداء تسببت في رفع الأسعار ونقص في المعروض. إن على الجهات المسؤولة أن تعرف جيدا انها قد تستطيع التحكم في الأسعار في المدى القصير ولكنها لن تستطيع في المدى الطويل مع تغير الكميات والجودة ووجود طرق أخرى مثل السوق السوداء مما ينعكس سلبيا على الأسعار وعلى الكمية المتوفرة ويضعف جاذبية الاستثمار والتوسع في هذا السوق. إن تشجيع المنافسة ووضع معايير لمنع احتكار القلة من خلال تحديد الحصة السوقية التي لا يمكن للمنتج تجاوزها منعا لظهور شركة قائدة (Dominant Producer) تسيطر على السوق وتفرض الأسعار من خلال الاتفاقيات الضمنية مع الشركات الأصغر حجما منه. وعلينا أن نعرف ان ارتفاع الأسعار في الأجل القصير سوف يشجع المصانع على زيادة طاقاتها الإنتاجية ودخول شركات جديدة وكذلك الاستيراد، مما سوف ينتج عنه في المدى المتوسط والطويل أفضل الأسعار مع توفر الكميات. نحن نعرف ان هناك شركات قادمة مثل صفوة للاسمنت بطاقة إنتاجية تبلغ 1.4 مليون طن سنويا وبعض المصانع عمدت إلى إضافة خطوط إنتاجية جديدة ولكن هذا لا يكفي مع التوسع العمراني الحالي والمستقبلي وضعف تنظيم السوق. إن سوق الاسمنت يحتاج فقط إلى تنظيم رسمي وتحديد مراكز مرخص لها لبيع الاسمنت ووضع السعر على كيس الاسمنت من المصنع وأي زيادة عن ذلك تكون تكلفة المواصلات التي من المفروض تحديدها حسب طول المسافة وحجم الحمولة. * عضو جمعية اقتصاديات الطاقة الدولية * عضو الجمعية المالية الأمريكية