يكثر السؤال عن الدور الاستشاري واهمية المستشار، سواء كان فردا ام مؤسسة، في عالم الاعمال، ويتبع ذلك التذمر مقولة كثير من المنشآت، عدم الاستفادة المرجوة من المستشار. والنتيجة الحتمية لمثل هذه التذمرات اننا لا نرى مستشارا يمكث مدة طويلة في منشأة واحدة، ومن هنا تبدأ المشكلة ويكمن الحل. يجب ان يتعرف المستشار على واقع وطبيعة عمل المنشأة والسوق التي تعمل فيه من ناحية وعلى استراتيجية المنشأة ورؤيتها واهدافها من ناحية اخرى قبل ان يقدم استشارته؛ وبقدر ما تزيد هذه المعرفة فمن المتوقع ان يزيد عطاه وتتحقق الاستفادة المرجوة منه. ولكن هذا من جانب المستشار وليس هو موضوع الحديث الذي ارغب التركيز عليه لانه يأتي في مرحلة لاحقة. وعلى الرغم من الدور التفاعلي بين المنشأة والمستشار الا ان الحديث هنا سيكون عن المنشأة ومدى فهمها لدور المستشار. وحيث اننا نعيش في بيئة صحرواية فان الدليلية (المرشد) في الصحراء سيعي مثالا بسيطا يقرب المفهوم المراد تحقيقة من خلال التشبيه في واقعنا، فعندما يريد ان ينتقل العربي في الصحراء من مدينة الى اخرى ويقطع الصحراء الشاسعة فانه يحتاج الى دليلة يساعده في الوصول الى المدينة الاخرى. قد يكون رجل المدينة هذا يعرف الطريق الى حد ما، او انه اخذ الوصف من الذين سبقوه وترددوا على هذا الطريق. فمن المتوقع انه سأل عن مواقع الظل التي يمكن ان يستريح تحتها والاماكن الاكثر امانا لينام ويرتاح فيها والاهم من ذلك موارد الماء على هذا الطريق ليشرب ويغتسل وغيرها من الاماكن والدروب التي يحتاج الى معرفتها. فقد يكون جمع كل هذه المعلومات ورسمها سواء في مخيلته، وهي عادة العرب، او على ورقة وبالتالي فقد يقول قائل انه لن يحتاج الى دليلة، بينما التجارب تقول انه من الحكمة ألا يذهب احد خاصة اذا كان لوحده الا مع دليل يرافقه. قد يصل هذا المسافر من مدينته الى المدينة الاخرى دون ان يسأل الدليلة سؤال واحد، الا انه يمكن ان ينقذ حياته بإجابته على سؤال واحد اذا احتاج اليه. هذا بالاضافة الى ان الدليلة بخبرته وتردده على هذا الطريق سيكون له اضافات وفوائد كبيرة عندما يستجد خلال هذه الرحلة متغيرات لم تكن في الحسبان كما ان المستشار لديه من الحكمة والدراية ما يمكن ان يختصر الوقت والوجهد وبالتالي المال. ويمكن ان نعكس هذه الرحلة على واقع الاعمال ورحلة المنشآت العملية سواء في رحلاتها الحالية وفي اسواقها الحالية ومع عملائها الحاليين او في رحلاتها المستقبلية ومع اسواق وعملاء جدد. فهي رحلات متتالية يجب ان تعتمد فيها المنشآت على خبراتها فقط بل يجب ان تستفيد من خبرات الآخرين وتجاربهم ومنها الاستشارات التي يمكن ان تختصر الوقت والجهد والمال. ومن هذا المثال يتضح ان كثير من المنشآت لا تدخل هذه الحسابات في تعاملها مع الاستشاري وتنظر اليه نظرة آنية محدودة ومباشرة لا نظرة بعيدة واستراتيجية. ويتم الخلط في كثير من الاحيان بين الاستشاري وبين الموظف التنفيذي. وقد تقيم الادارة الاستشاري بناء على اعمال تنفيذية ليس من المفترض ان يقوم بها لكنها هي المقياس الوحيد التي تعرفه المنشأة للقياس. وقد تنظر المنشأة الى عمل الاستشاري على انه اما ان يتم تنفيذه او انه خسارة، تم صرف مكافأة للعمل الاستشاري ولم يتم الاستفادة منه بمعنى انه لم يتم تنفيذ العمل الذي قد يكون الرأي الاستشاري فيه هو عدم التنفيذ. والاسباب كثيرة لعدم استيعاب مفهوم العمل الاستشاري ولعلنا استطعنا ان نقرب هذا المفهوم الى الاذهان بهذا المثال الواقعي البسيط، وهناك امثلة واقعية كثيرة تعكس النتائج الايجابية التي تحصل عليها المنشآت من العمل الاستشاري اذا ما تم التعامل معه بشيء من الحكمة والنظرة البعيدة التي تساهم في تحقيق نجاح مستمر بإذن الله تعالى. * إدارة استراتيجية وتسويق كلية إدارة الأعمال - جامعة الملك سعود