جرت عادة المسلمين في مختلف العصور، ومختلف الأمكنة الحرص عل الصدقة الجارية الباقية لهم، فأوصوا بجزء من أموالهم "الثلث غالباً" ليكون صدقة جارية. وفي الحرمين الشريفين أروع الأمثلة للأوقاف الخيرية والذرية، حيث اعتاد الناس على وقف الأربطة والمساكن لسكنى أهالي أقاليمهم أو مدنهم. وتنبنى عامة مصالح المسلمين على الأوقاف، حيث تعددت وتنوعت بحسب المصالح العامة، حتى غطت مصارف وزارات الدولة الحديثة بكاملها، فهناك أوقاف لشق الطرق ورصفها، وأوقاف للمياه، وأوقاف للمصابيح، وأوقاف للمستشفيات، وأوقاف للتربية والتعليم، أما الجوانب الاجتماعية فقد غطت الأوقاف جميع جزئياتها. ودعا عاملون في قطاع الجمعيات الخيرية بالمملكة إلى ضرورة إنشاء أوقاف خاصة بالجمعيات، تتبناها وزارة الشؤون الاجتماعية، لدعم مسيرة هذه المؤسسات عقب تراجع إيراداتها، مع تشجيع فاعلي الخير على الافادة من الأوقاف في دعم الجمعيات والمنتفعين من ورائها، حيث أن الملاحظ غياب التخطيط لطرق واستثمارات كموارد دخل إضافية وثابتة للجمعيات. تؤمن احتياجات الفقراء وتستوعب «المسجلين الجدد» وتقدم «مشروعات نوعية» في التدريب والتأهيل البحث المستمر عن التبرعات غير مجدٍ دائماً ولا يدعم تنفيذ الخطط المستقبلية و«المعونات العاجلة» لا يوجد تخطيط وقال الشيخ "محمد الدباش" - مستشار الشؤون الإسلامية بإدارة الأوقاف والدعوة والإرشاد بعسير -: إن الجمعيات الخيرية معتمدة في الوقت الحالي على فاعلي الخير وما يحصلون عليه منهم، وهي عملية افادة غير دائمة!، مضيفاً أنها تمشي ب"البركة"، بل ولا يوجد هناك تخطيط لطرق واستثمارات كموارد دخل إضافية وثابتة، مشيراً إلى أن فكرة الوقف الخيري الذي يعود بالنفع على الجمعيات الخيرية ب"الديمومة" والدخل المستمر فكرة رائدة، ولكنها تحتاج لعدة أمور، منها إعداد الدراسات واختيار الأوقاف المناسبة التي يناسب دخلها متطلبات الجمعيات الخيرية. وأضاف: كثير من الجمعيات الخيرية بدأت بتنفيذ الفكرة، ولو استغلت بشكل جيد، فسوف تدر عليها قيمة مصروفاتها، بل وتمول أنشطتها، إذا راعى القائمون على الجمعيات ومسؤولي الإدارة، جعل هذه الأوقاف من الخطط التي يتم تنميتها وتطويرها، خاصةً أنه لا يوجد في النظام ما يعيق ذلك، لافتاً إلى أن الوقف فيه فضل عظيم، حتى يكون هناك عائد مستمر للمستفيدين منه. مناطق رئيسة وأوضح "د.عبدالله بن حميد" - أستاذ مساعد بمعهد أئمة الخطباء بالرياض - أن الأوقاف ترتكز بالمناطق الرئيسة والكبرى كالرياضوجدة والشرقية، والتي يكون رؤوس الأموال فيها على مستوى عظيم، ولكن المدن الصغيرة مازالت تترنح وتحتاج لتواصل بين الجمعيات الخيرية ورجال الأعمال، وكذلك وزارة الشئون الإسلامية؛ لأن رجال الأعمال يحتاجون من يوضح لهم أهمية الوقف الخيري، وأن لا ترتكز مشروعاتهم على الاستثمارات الكبيرة والسياحية، لافتاً إلى أنه حتى يكون الدافع قوياً يجب بيان ذلك بما نص عليه الكتاب والسنة في مشروعية الوقف وأهميته. ثمار عظيمة وتحدث الشيخ "د.أحمد المعبي" - عضو المحكمين في وزارة العدل بالمملكة - قائلاً: لقد حققت الأوقاف ثماراً عظيمة في المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ، شملت جميع نواحي الحياة العبادية والاقتصادية والاجتماعية، وكذلك العلمية والتربوية، ومنها الفوز بمغفرة الله سبحانه وتعالى ونيل رضاه ودخول جنته، قال تعالي: "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين"، وقال تعالى: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم»، مشيراً إلى أنها تزكي النفوس وتخلصها من الأمراض الاجتماعية، كالبخل والشح قال تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم». بسط الرزق وأضاف: هذا غير الرعاية الربانية للموقفين على أعمال البر والخيرات، قال تعالى: "الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون"، ذاكراً أن الوقف يؤدي إلى بسط الرزق ونيل النصر والتمكين في الأرض، روى ابن ماجه من حديث جابر قال: خطبنا رسول الله ، فقال: "ياأيها الناس توبوا إلى الله قبل أن تموتوا وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشتغلوا وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له وكثرة الصدقة في السر والعلانية ترزقوا وتنصروا وتجبروا"، موضحاً أنه من أفضل الثمار بقاء الوقف كموارد لمساعدة الفقراء والمحتاجين، بما يحقق منافع معيشية واجتماعية وثقافية مستمرة ومتجددة. أفضل من الصدقة وقال "د.صالح الديسماني" -مدير فرع الشؤون الإسلامية والأوقاف بنجران-: إن الوقف يُعد رافد من روافد الجمعيات الخيرية، والصحابة رضي الله عنهم أوقفوا أنفس، وأحب أموالهم في سبيل الله، مضيفاً أن الوقف كما ذكر العلماء من الأمور التي خيرها عام، وهي أفضل من الصدقة ونفعها طوال العمر، بل ويُعد من الصدقة الجارية، مشيراً إلى أن الوقف لا يقتصر على الأعمال الخيرية، بل يمتد فائدته إلى المستشفيات والإنارة والأعمار وغيرها، ذاكراً أنه في عصر الدولة الإسلامية كانت تعتمد على الأوقاف في تصريف شؤونها، فالدول تمر بها حالات من المد والجزر بالنواحي المالية، ودوام الحال من المحال، والحل في مثل هذه الحالات هي الأوقاف، حتى لا ينقطع الخير وسبيل العطاء الخيري على الفقراء والمساكين والمحتاجين. حسن النية وأضاف: يرتكز تطور العمل الخيري وتقدمه واتساعه واستمراريته وشموليته على عدة مرتكزات منها المصداقية وحسن النية وخشية الله ومراقبته في الوصايا، إلى جانب وضع التبرعات في مصارفها التي وضعت من أجلها، وإغلاق باب الاجتهاد والمصلحة في تغيير مصرفها، مبيناً أن الثروة البشرية الفاعلة عماد العمل الخيري وسر قوته وثباته وداعمه الأساس، كذلك الإدارة الواعية التي تتصف بالشفافية والوضوح مع حسن التعامل وجودة التفويض، والبعد عن المركزية والتعصب للرأي، إلى جانب الموارد المالية الثابتة وهي عصب العمل الخيري وسر استقراره وقوته. وعي القائمين وأوضح أنه مما يقاس به وعي الجمعيات الخيرية مدى حرصها على الموارد الثابتة كالأوقاف، والتي تُعد من دلائل وعي القائمين على الجمعية وبُعد نظرهم، وبُعدهم عن الحلول الآنية باقتصارهم على التبرعات الخيرية المقطوعة، لافتاً إلى أن منطقة نجران تُعد من أفقر المناطق بالأوقاف، مهيباً بأهالي المنطقة وما عُرف عنهم من الكرامة والشهامة بأن يبذلوا ويعطوا مما أعطاهم الله، ويوقفوا من أموالهم لفعل الخير، ولهم صرف أوقافهم في الشرط الذي يريدونه، وهو أن يشترط الواقف أن يصرف في تزويج الشباب أو للسقيا أو للأرامل أو لتحفيظ القرآن. دور الإعلام وأكد على أن للإعلام دوراً في تحبيب الوقف، وكذلك في إيضاح أهميته لخدمة الجمعيات الخيرية، ودعوة فاعلي الخير له، مضيفاً أن فرع الشؤون الإسلامية والدعوة والأوقاف بالمنطقة عمل الندوات والمحاضرات، بل وحث خطباء وأئمة الجمع والمساجد على تخصيص الحديث عن الأوقاف وخيرها ومردودها على الروافد التي تخدمها، مشيراً إلى أنه لو نظرنا للحرمين الشريفين كمثال، فهما مكتفيان بما يعود عليهما من الأوقاف المخصصة لهما، مقترحاً - وهو مرفوع للوزارة - بإنفاق ما يصرف من الوزارة في شراء الأوقاف التي تعود للجمعيات الخيرية، على أن يصرف الربع بإنشاء أوقاف خيرية، ذاكراً أنهم في جمعية تحفيظ القرآن والتي يرأسها يسعون لذلك، فنحن نشتري أراضي ونبني عليها مجمعات سكنية في الرياضوجدة ويعود ريعها للجمعية بنجران، وكذلك عممنا هذه الفكرة على الفروع في "شرورة" و"أبو السعود" و"يدمه" و"حبونا". تطوير العمل وأوضح الشيخ "الدباش" أن الأوقاف تحقق مصالح للجهات الخيرية، ومنها تطوير العمل الخيري وضمان سير الخطط بعيدة المدى، إلى جانب الانطلاق مع الأهداف المرسومة له، مبيناً أن الخطط السليمة تعتمد على موارد مالية ثابتة، وعدم استقرار الموارد المالية يشل الحركة الخيرية، بل ويقتل الإبداع فيها، ويغلق منافذ التفكير، بالإضافة إلى أنه يزرع الخوف والشك والقلق لدى لعاملين؛ لعدم توفر المال الذي يغطي مصارفهم الأساسية، وكذلك عدم طمأنة العاملين بسلامة مسار الجهة الخيرية في تغطيتها المصاريف التشغيلية الثابتة، والتي يترتب عليها خلل كبير في انقطاعها، مثل البرامج التعليمية والتربوية والدعوية. خطط عملية وأضاف: فتح آفاق القائمين على العمل الخيري واكتسابهم القدرة، وفتح الباب لخطط عملية مستقبلية، وكذلك تعزيز الرؤية السليمة لمستقبل الجمعية، مع تحقيق أهدافها وزيادة ثمراتها، إلى جانب ضمان استمرارية جهات الخيرية في أداء رسالتها دون انقطاع بسبب قل الموارد المالية أو توقفها، مبيناً أن ذلك يحميها من الهزات الاقتصادية والاجتماعية السياسية، التي تمر بالدولة والمجتمعات، بالإضافة إلى تحقيق الأمن الوظيفي للموظفين في الجهات الخيرية، بل ويساعد على توفير طاقات الموظفين وقدراتهم الفكرية ومنع تشتتها، لاطمئنانهم على رواتبهم، فتصفو أذهانهم، ويصب تفكيرهم في تطوير الجهة الخيرية ودفعها إلى الأمام، إلى جانب القدرة على جذب الطاقات المتميزة، والإفادة من خبراتهم وقدراتهم، وتغذية الأنشطة المهمة والمهجورة؛ بسبب ضعف الموارد الثابتة. إعادة الثقة وقال "د.المعبي": إن الحاجة ماسة إلى إعادة الثقة لدى الناس وطمأنتهم بالاقتصاد في الأنظمة، ليتحقق لهم الأمان على أموالهم، مع طرح برامج عملية في حسن استثمارها، بشفافية واضحة تطمئن المسلم على ماله ومصرفه السليم الحقيقي الآمن، مضيفاً: "علينا توعية الناس بفضل الأوقاف وأهميتها، والافادة من جميع الوسائل الإعلامية في تسويقها، مع طرح دراسات ومسابقات بحثية في تفعيل الوقف الخيري، وجرد الأوقاف الميتة، إلى جانب إجراء دراسات اقتصادية لها، والاهتمام بصيانة أوقاف الجهة الخيرية وتحديثها، ضماناً لزيادة ريعها، مع تشغيل الجهات الخيرية الأوقاف واستثمارها، فهي أولى بها من عامة الناس"، مشدداً على أهمية اقتناص الفرص والأوقاف المؤثرة في الناس، وحثهم على الأوقاف للجهات الخيرية، مثل مواسم الخير، وحوادث الوفاة والمرض، إلى جانب تطهيرها من الاستثمارات المحرمة والمشبوهة، مقترحاً أن تسعى الجهة الخيرية في إيجاد وعاء للأوقاف، تصب فيه الأوقاف الصغيرة والمبالغ القليلة التي لا يستطيع أهلها أن يجدوا بها وقفاً مستقبلاً بذاته. د.أحمد المعبي صالح الدسيماني