مشهد العمّال المخالفين وهم يفترشون الأرصفة، ويحتلون مداخل الأحياء الرئيسة بحثاً عن ساعات عمل هنا وهناك، إضافةً إلى انقضاضهم على السيارات التي قد تتوقف لأي سبب، يفتح المجال للحديث عن دور أفراد المجتمع لمعالجة مشكلة العمالة عموماً، إذ لا ينبغي أن نضع يداً على الأخرى بانتظار حل سحري، بينما نحن نتسبب يومياً بتصرفات لا تراعي المصلحة العامة، بل تركز في الانتفاع من كل الفرص، ومن بينها تجارة التأشيرات وتأجير التراخيص وغيرها. هنا لابد من معرفة أسباب تكدس تلك الأعداد الهائلة، وهل هي في المتاجرة بالتأشيرات أم في غياب الرقيب؟، أم في التحايل على النظام بطرائق مبتكرة ومختلفة ساهمت في انتشار عدد من الجرائم والسرقات؟. تراخيص وهمية في البداية قال "خالد الحمود"رجل أعمال: إن العمالة السائبة المتكدسة والمخالفة لنظام العمل المشروع، تكون مرتبطة بعدة حالات، منها المتاجرة بالتأشيرات من خلال الأفراد الذين يسعون لعمل تراخيص وهمية على منشآت لا تعمل بالأصل، وأيضاً منح مؤسسات وشركات تأشيرات أكثر من احتياجاتها، وهذه تقع في المناقصات الحكومية التي تصرف لهم تأشيرات لخدمة أي مشروع يتم ترسيته، إلاّ أن بعضهم يسيء العمل بها، مضيفاً أن بعضا من الشركات تستخدم العمالة في التنفيذ، وبعد نهاية المشروع تجد تلك العمالة أصبحت بلا رقيب وتجوب الشارع والسوق المحلي، بل وتعمل تحت كفالة تلك المؤسسات والشركات، مشيراً إلى أن البعض يستخدم عمالة أخرى أو تنفيذ المشروع بعقود من الباطن، وتدخل تلك التأشيرات تحت مزادات بالخفاء، يتقاضى فيها البائعون مبالغ طائلة من دون نظرة للعوائد السلبية التي تعود على هذا الوطن ومواطنيه من جراء مخالفة نظام العمال. نهايتها عشوائية وشدد على دور مكاتب العمل ومتابعتها الجادة لكل سجل تجاري أو رخصة محل ممنوح عليها تلك التأشيرات، فمتابعة النظام والأخذ بدقته سيكون هو الفيصل ما لم تدخل فيه المحسوبية، وهذا ما نعيشه حقيقة في عدم تطبيق النظام، مضيفاً أن الوجهاء وذوي المكانة لهم نصيب وافر من تلك التأشيرات، التي يكون بعض منها ممنوحا من دون العودة للنظام، وتكون نهايتها عشوائية في جذور السوق الاقتصادي، مدللاً على أن تلك الأعداد المتكدسة وسط المدن حتى الهجر الصغيرة وهم متناثرون بشكل عشوائي، يدل على مخالفتهم النظام والعمل. تطبيق النظام وأوضح أنه لو تم تطبيق النظام على الكل من دون استثناءات، لوجدنا أن الطاقة الاستيعابية لاحتياجاتنا العمّالية الحقيقية قد لا تصل إلى ربع الحصيلة للعمالة الوافدة، التي تزيد على (7) ملايين عامل، ذاكراً أن كثيرا من الوافدين خضعوا للتضليل والخداع من مستقدميهم، وكان ذلك سبباً مباشراً في تسريحهم للعمل بعيداً عن كفلائهم، سواء بتراضي الطرفين أو هروب الوافد وعمله بنفسه بعيداً عن العيون، لافتاً إلى أن هذه القضية يجب التدخل العاجل فيها من قبل المسؤولين لوضع حد لها، فكلهم مشترك سواء المسؤول أو المواطن، أو تلك الشركات والمؤسسات التي تعمل في الخفاء. سياسة السعودة ورأى "فائز العنزي" رجل أعمال، أن من أسباب تكدس العمالة بشكل عشوائي هو أن سياسة السعودة رغم نجاحها من جانب واحد، الإ أنها خلفت وراءها كثيراً من الوافدين العاطلين عن العمل النظامي، من دون النظر لهذه التبعات ووجهها الآخر، مضيفاً أن ذلك خلق فوضى أخرى في اليد العاملة، وتركهم داخل البلاد من دون عمل معين، الأمر الذي زاد من القضايا التي تطالعنا بشكل شبه يومي من انتشار السرقة وخطف الحقائب من السيدات في الأسواق، إضافة إلى تكتل بعضهم وخلق عصابات لسرقة المنازل والسيارات، كما أنهم أصبحوا ذوي سهولة في انقيادهم مع بعض محترفي الجريمة، نظير مبالغ معينة تكفيهم لتلبية حاجاتهم، مشيراً إلى أن من ذلك أيضاً زيادة ظاهرة التسول على مدار العام، وهذا ما نشاهده في العديد من المدن عند إشارات المرور وفي المساجد والمرافق العامة. دراسة شاملة وأضاف أن بعضهم عمد إلى ممارسة أعمال مهنية لا يجيدها في الأصل، ولكن الحاجة أجبرته على ذلك، موضحاً أن الأمر يحتاج إلى نظرة شاملة حقيقية نراها على أرض الواقع، فكلهم حريص على نظام السعودة ودخول الأيادي السعودية الشابة سوق العمل، ولكن تبقى هذه العمالة "المتسيبة" بوجودها المخالف، حجر عثرة أمام كثير من الشباب، مشدداً على أهمية وضع دراسة شاملة بعيدة المدى للسنوات القادمة، عن كيفية ترحيل هذه العمالة واستبدالها بأيد من المملكة، أو على الأقل عمالة تعمل بمهن حقيقية، وليست كمثل ما نعيشه الآن من تخبط كثيرين في مهن غير مؤهلين لها.